يزور السيد رئيس الجمهورية بعد أيام قلائل ، ولايات دارفور الخمس ، ويقضي في كل ولاية زهاء اليومين الكاملين ، في أطول زياراته للمنطقة طوال فترة حكمه ، ولا نظن ان رئيسا سبقه إلي مثل هذه الجولة الطويلة من قبل ، وسيقف السيد الرئيس علي أوضاع الولايات وظروفها وتطورات ما يجري فيها وهي تستقبل في الإسبوع الثاني من إبريل المقبل ، الإستفتاء الاداري حول وضعها هل ستكون علي ما هي عليه ام تتم العودة الي الاقليم كما كان سائدا قبل العام 1994م ، وبالتأكيد لن تكون زيارة الرئيس ذات علاقة مباشرة بالإستفتاء ولا غرضها تعبئة المواطنين لصالح أحد الخيارين المطروحين في الإستفتاء ، لكنها متزامنة مع هذا الحدث الكبير الذي تشهده وفود من خارج السودان ومراقبيين دوليين . والسؤال المهم الذي يتبادر الي الأذهان كيف سيجد الرئيس دارفور ..؟ دارفور بفضل من الله ولطف ، تشهد الان عافية في جسدها المثخن بالجراح، ويبرؤ جسمها من اثار الحريق والدمار والخراب ، وتستعيد وعيها من هول الصدمات النيفة التي تعرضت لها منذ اندلاع التمرد قبل ثلاثة عشر عاما مضت ، وبدأ الحيوية ودورة الحياة تنشط من جديد في كل ربوعها ، وانحسر التمرد بلا رجعة ، وتوقفت شلالات الدم والمعارك الطاحنة ، وفتحت الكثير من الطرق بين الولايات و داخلها ، وعاد الامان والاطمئنان في مناطق جبل مرة خاصة القمم الحصينة التي كانت تلوذ بها مجموعات المتمردين وظنوها عصية علي القوات المسلحة أن تقتحمها .. سيجد الرئيس ان السأم قبل بلغ مداه من الحروب والقتال والاقتتالات القبلية ، كلها كانت بلا طائل تحتها ، احرقت الحرث والنسل ، وزرعت الكراهية والعنف في القلوب التي كانت اصفي من الحليب والشهد، فاسيد الرئيس سيري بنفسه ان مواطن دارفور الان يجرفه الحنين والشجن الي ايام الصفاء القديم ، وتتملكه رغبة محمومة وجامحة الي طي صفحات الموت الزؤام وانهار الدماء والعودة الي التعايش والتراضي القديم .. وسيجد السيد الرئيس ان الصعداء التي يتنفسها اهل دارفور ، هي نتيجة عمل ضخم وشاق في صناعة السلام والتنمية، فقد كان المواطنين البسطاء هم اول من جعل صناعة السلام سهلة وميسورة بسبب رفضهم لدعوات التمرد وعدم انسياقهم وراء دعايته السياسية الخائبة ، لقد تأذي الجميع من جنون التمرد وخطله وخباله ، تشرد الكثير من الناس في معسكرات النزوح واللجوء ، وهجر الكثيرون مناطقهم وقراهم ومراتع صباهم ومواطن ابائهم واجدادهم ، واخذتهم عاصفة الحرب وهيجانها الي لجة العذاب والضياع ، فهاهم يؤوبون مختارين الي قري العودة ومواطنهم الاصلية وبعضهم يفضل ان يبدأ حياته الجديدة حيث هو يعيش ويتواجد .. وسيج الرئيس فرحة كبيرة لكنها منقوصة ترتسم ببريقها علي وجوه اهل دارفور بعد انوصلهم طريق الانقاذ الغربي ، واشرقت شمس التنمية طرقا ومطارات ومرافق ومدارس وجامعات ومعاشا ، افضل من سنوات المسغبة والبارود التي كانت مخيمة منذ 2003م ثم تلاشت قبل اكثر من عام او عامين ، وكتب فصل جديد في حياة اهل دارفور ... فهناك قري العودة ومنشآتها ، والطرق الجديدة التي بدأت تشق الوديان والجبال والسهوب من الفاشر الي كتم ومن نيالا الي عد الفرسان ورهيد البردي ومن الجنينة الي زالنجي وغيرها من الطرق الجديدة والمطارات .. سيجد الرئيس ان التمرد الذي عطل الحياة واغلق الكثير من الطرق وشرد الاهالي ، صار مجرد حكايات تروي و أقاصيص تحكي ، ذهب التمرد بكلكله ، وتقطعت به السبل والاسباب ، فاما ان يكون قادة الحركات وما تبقي لها من قوات هائمين علي وجوههم في صحراء ليبيا ، او في متاهة الضجر في غابات دولة جنوب السودان ينتظرون دعما ووعدا من الخارج لا ولن يجيء . زيارة الرئيس ستقول كلمة واحدة فقط ، ان دارفور وهي جزء اصيل من السودان ، ستكون في القلب دائما ، فالدولة ماضية في برامجها وسياساتها لاعادتها الي سابق عهدها وتنميتها واعلاء شأنها وبسط هيبة السلطة فيها ، فمن يقابلون الرئيس بالملايين في الفاشروالجنينة و زالنجيونيالا و الضعين و الارياف و البيادر و الجبال و السهول والبوادي ، سيقولون للرئيس ان ترابا ذاق مرارة الحرب والحريق والرماد ، لن يمد يديه ورجليه مرة اخري بين الاثافي وجمرها ... نقلا عن صحيفة الانتباهة 15/3/2016م