يعم الرعب والخوف هذه الأيام جميع بلدان منطقة غرب إفريقيا والساحل الإفريقي بعد الهجوم الدامي الذي نفذه الأحد الأخير، انتحاريون من تنظيم القاعدة بالغرب الإسلامي «أكمي»، على محطة الاستجمام بمدينة غران بسام العاجية. ومما زاد هذا الخوف شدة، كون الهجوم على غران بسام جاء تالياً لهجوم تنظيم القاعدة على فندق راديسون في باماكو في نوفمبر 2015 والهجوم الموالي له على فندق سبلانديد في واغاودغو، وهي عمليات وعد بها التنظيم في بياناته السابقة ونفذها بدقة كما وعد. وتشمل موجة الخوف المنتشرة حالياً هنا وهناك، الدول التي لم تتعرض بعد لهجوم التنظيم مثل موريتانياوالسنغالوبنين وتشاد والتي تتحدث أنباء مؤكدة عن بدئها اتخاذ إجراءات أمنية مشددة لمواجهة التهديدات الماثلة.فقد زرع الهجوم على مدينة غران بسام العاجية التاريخية الواقعة على بعد أربعين ميلا شرق العاصمة ابيدجان، موجة عارمة من الرعب في دول تدرك حكوماتها بقلق بالغ، ضعف أجهزتها الأمنية وهشاشة آلياتها الدفاعية في وجه تنظيم تغلغل في القرى والمدن قبل أن يبدأ دورات «غزواته» وعملياته المرعبة والمنظمة. وتؤكد الحصيلة الرسمية للهجوم على منتجع غران بسام التي هي مركز لتجمعات سياحية مأمومة ومقصودة، مقتل عشرين شخصاً بينهم أوروبيون وأفارقة. وأكد تنظيم القاعدة في البيان الذي تبنى فيه الهجوم على غران بسام «أن العملية مواصلة لخطة استهداف أوكار الصليبيين وأماكن تجمعاتهم». وأضاف البيان «بعد دراسة وتخطيط وجمع للمعلومات ورصد للأهداف، اقتحمت ثلة من خيرة مجاهدي «قاعدة الجهاد ببلاد المغرب الإسلامي»، وكراً من أوكار الجوسسة والمؤامرات في منطقة الساحل الإفريقي، يجتمع فيه رؤوس الإجرام والنهب، وتحديداً المنتجع السياحي («بسام الكبير» الواقع شرق مدينة أبيدجان بساحل العاج.. وقد تم انتداب الإخوة الفضلاء تقبلهم الله في الشهداء (حمزة الفلاني، عبد الرحمان الفلاني، وأبو آدم الأنصاري.. رحمهم الله) لتسطير هذه الملحمة، حيث انطلقوا نحو الهدف، متوكلين على الله وحده وملتزمين بأوامر قيادتهم، في اختيار أهدافهم المسطرة لهم لقطف رؤوس مجرمة عاتية». «وجاءت هذه العملية، يضيف التنظيم، ضمن سلسلة عمليات «استهداف أوكار الجوسسة والمؤامرات»، لتذكير الصليبيين بأن جرائمهم المتكررة في حق المسلمين وإخوانهم المجاهدين، سيكون الرد عليها باستهداف رؤوس إجرامهم ومصالحهم على أراضي الدول المشاركة في عملية «سيرفال» ثم «برخان»، وتحذير دولة ساحل العاج خاصة وكل من تورط وانخرط في حلف فرنسا في احتلالهم لبلادنا والاعتداء على أهلنا ومقدساتنا، وساهم في حرب المجاهدين». ودعا التنظيم «الدول التي تورّطت في الغزو الفرنسي لمالي، حسب تعبير البيان، بأن تنسحب من هذا الحلف الشيطاني، فسيوف أحفاد ابن تاشفين لن تعود لأغمادها حتى تقتص من كل ظالم معتدٍ، وأنّ يد المجاهدين ستطالهم في أعتى أوكارهم». ووجه التنظيم نداء لمن سماهم «الشعوب الغربية» مفاده أن أعماله هذه، تأتي كرد فعل لجرائم جيوشكم وحكوماتكم بحق أمتنا، في فلسطين وأفغانستان والعراق والشام واليمن والصومال وليبيا ومالي وإفريقيا الوسطى،... ونذكركم كل مرة، بأنّ الأمن في العالم مسألة كلية لا تقبل التجزئة، فإما تتركونا آمنين في ديارنا، وإما نهدر أمنكم وأمن رعاياكم، كما تهدرون أمننا، واعلموا أنّ زمن احتلال بلادنا ونهب ثرواتنا بلا ثمن قد ولى وبغير رجعة». وفيما توجد دولة ساحل العاج تحت الصدمة يتساءل مراقبو هذا الشأن عن الدولة المرشحة للعملية المقبلة. وقد بدأت حكومتا بنينوالسنغال اتخاذ إجراءات خاصة وعاجلة لتفادي الكارثة التي ارتفع دخان نيرانها في ساحل العاج. ونبه الإعلام السنغالي في افتتاحيات عدة، حكومة داكار لخطورة ما يحدق بالسنغال من تهديد، مع التأكيد على خطأ اعتبار أن السنغال لا تواجه أي تهديد خارجي حسب المعطيات الأمنية التي تشير إلى أن «الخطر= صفراً». وفي موريتانيا تؤكد المصادر الأمنية أن رفع مستوى التهيئة الأمنية يتواصل في الداخل وعلى مستوى المنافذ الحدودية تحسبا لأي طارئ. ويعتقد الكثيرون أن موريتانيا غير معنية باتساع رقعة التهديد القاعدي لأنها محتفظة بمهادنة القاعدة حسبما نصت عليه مخطوطات منسوبة لأسامة بن لادن سربتها الحكومة الأمريكية مؤخراً وكذبتها حكومة نواكشوط. لكن المراقبين المتتبعين لهذا الشأن يرون أن شساعة حدود موريتانيا الجنوبية والشرقية والشمالية تجعلها في عين الإعصار رغماً عنها ورغم ما يتحدث عنه البعض من مهادنات. وفي تحليل بعنوان «صَفَافِيرُ الإِنْذَارِ من «أبيدجان» و» باماكو»، أكد السفير المختار ولد داهي الخبير الإستيراتيجي أمس «أن ضربات تنظيم القاعدة بالمغرب الإسلامي لعواصم ساحل العاج وبوركينافاسو ومالي تمثل صَفَافِيرَ وأجراس إنذار يجب على جميع دول الساحل والصحراء الإنصات والإصغاء جيداً لها وتحيين الاستراتجيات الوطنية والإقليمية لمحاربة القاعدة وأخواتها على ضوء الدروس المستخلصة من تلك الهجمات المتتابعة والمتماثلة». «وفي موريتانيا، يضيف السفير، يتعين تحيين وإعادة ترتيب أولويات الاستراتجية الوطنية لمحاربة الإرهاب أخذاً في الاعتبار لظهور «دولة داعشية» على جزء من التراب الليبي وذيوع أخبار تفكيك خلايا «تجنيد داعشي» بدول شقيقة ومجاورة كانت تخطط لاستخدام بلادنا «منطقة عبور» أو «نقطة تجميع»، أضف إلى ذلك توسع منطقة استهداف و»خط نار» قاعدة المغرب الإسلامي وأخواتها إلى دول لم تكن من قبل ضمن دائرة الاستهداف كبوركينافاسو وساحل العاج». واقترح الخبير داهي تحيين الاستراتجية الموريتانية لمحاربة الإرهاب حول محاور منها «ترفيع وتعزيز الجاهزية العسكرية والأمنية، وتطبيع المشهد السياسي الوطني وترسيخ وتوسيع المرجعية الإسلامية للدولة الموريتانية، وتمتين التعاون الإقليمي والدولي». وأعرب الخبير ولد داهي عن أمله في «أن تتسلم المرجعيات والنخب الوطنية الفكرية والسياسية مضامين «الصدمات الإرهابية» المتتابعة «ببامكو» و»واغادوغو» و»أديس ابابا» و»بن قردان» لتسارع إلى بناء إجماع سياسي وطني وَاقٍ وعَاصِمٍ من عدوى الفتن والتجاذب السياسي العنيف وعدم الاستقرار». المصدر: القدس العربي 17/3/2016م