لا يمكن الاستهانة بإعلان وزراء دفاع مجموعة دول الساحل والصحراء في اختتام اجتماعهم في شرم الشيخ المصرية عن إنشاء مركز لمكافحة الإرهاب ضمن تحالف إقليمي غير معلن تقوده القاهرة، وهو قرار جاء في وقته واستباقاً لتطورات مستقبلية أبرزها أن عدداً من دول المجموعة ستكون ميداناً لمكافحة الإرهاب في الأشهر والسنوات المقبلة. إعلان شرم الشيخ يستكمل كثيراً من الاتفاقيات والتفاهمات بعضها ورد في بيان القمة الإفريقية الأخيرة في أديس أبابا، كما يؤكد أن وعي هذه الدول بخطورة التهديد الإرهابي قد بلغ أعلى درجاته، ودفعها إلى وضع استراتيجية شاملة للعمل ضد الشبكات الإرهابية والإجرامية الخطيرة، وفق مبدأ أن أهل الإقليم أدرى بشؤون أمنهم. ورغم وجود بعض الاختلافات في فهم طبيعة هذا التعاون أو الإجراءات العملية، تبقى فرص تحقيق إنجازات أمنية وعسكرية أكثر من الفشل في هذا الاتجاه. ولعل أبرز عامل يمكن أن يرفع من منسوب التفاؤل أن الدول ال27 المشكلة لا توجد بينها أجندات كبيرة متباينة، وباستثناء دولة أو اثنتين فإن بقية الدول متواضعة الإمكانيات والتصورات، ولا تستبد بها نوايا الهيمنة أو المساومة في قضية أمنية خطيرة وحيوية تمس استقرار القارة الإفريقية ككل وخصوصاً في شمالها حيث تتصاعد التهديدات والإجراءات المضادة. لقد أوحت التصريحات والمواقف التي أعقبت الاجتماع أن هناك مقاربات مختلفة حول الوضع الليبي، فهناك دول تدعم التدخل العسكري الدولي ضد الجماعات الإرهابية، وهناك دول أخرى تريد دعم الليبيين ليقودوا بأنفسهم المعركة في بلادهم خشية من أن التدخل الخارجي سيعكر الوضع أكثر وسيؤدي إلى انعكاسات خطيرة قد تتجاوز تبعات تدخل حلف «الناتو» عام 2011 ضد نظام معمر القذافي الذي أسس تجمع دول الساحل والصحراء بمبادرة منه عام 1998. ويبدو أن ليبيا، البلد المؤسس لهذا الفضاء، قد غدت صداعاً كبيراً لكل دول المنطقة، وأصبح أمر مواجهة الإرهاب فيها تحدياً مصيرياً وضرورة لابد منها. هناك من سيشكك في قدرة أغلب دول الإقليم على النهوض بمهمة مكافحة الإرهاب من دون الاستعانة بالقوى الأجنبية، وربما يعود ذلك إلى محدودية القدرات العسكرية والأمنية، ولكن التجربة أثبتت أن النجاح في مكافحة الإرهاب لايتوقف على عظمة القوة العسكرية، وإنما على حسن التخطيط وصدق النوايا في كسب الحرب. ويجدر التنويه في هذا المجال إلى أن الولاياتالمتحدةالأمريكية التي تقول منذ عشرين عاماً أنها تحارب الإرهاب وتقيم التحالفات وتغير هنا وهناك، ولكن الإرهاب لم ينته وعوض أن يكون الجهد موجهاً للقضاء على إرهابيي تنظيم «القاعدة» ولدت من رحم الحروب الأمريكية المختلفة تنظيمات أشد خطراً وشراً مثل تنظيم «داعش». وهاهو العالم كله يقف في مواجهة هذا التنظيم وبدأ يحقق كثيراً من النجاحات، ولكن ليس بفضل القوة الأمريكية وحدها. التحالفات الإقليمية لمكافحة الإرهاب وحفظ الأمن في منطقة محددة أثبتت أنها أكثر نجاعة من التحالفات الدولية الواسعة، فدول أي إقليم تمتلك كثيراً من المشتركات ونقاط التجانس تخول لها ترتيب شؤون أمنها من دون أن تخضع لابتزاز القوى الكبرى. ومكافحة الإرهاب الناجحة لا تتوقف على الجهود العسكرية والأمنية فحسب، وإنما تتجاوزها إلى إقامة فضاءات للتنمية والازدهار وتأسيس منابر فكرية تحارب ثقافة التشدد ضمن شراكات جماعية، وما جاء في إعلان شرم الشيخ ينص على هذا التوجه ويشدد عليه، ما يشير إلى أن هناك مقاربة مختلفة تأمل تحقيق نتائج نوعية في مقاومة جماعات الإرهاب في كل أنحاء إفريقيا. المصدر: الخليج الاماراتية 27/3/2016م