بعد حوالي ثلاثة اشهر من اعلان نتائج الانتخابات العراقية التشريعية لا تزال الكتل الرئيسية بقياداتها الشيعية عاجزة عن التوصل الى اتفاق على تشكيل الحكومة والى حد ما يمكن الاستنتاج ان الطموح الشخصي والتشبث بالمنصب ومزاياه هما العقدة الرئيسية ، كما يمكن الاستنتاج ان السلطة الامريكية الممثلة للعراق لا ترغب في ان تضع ثقلها الى جانب مرشح للرئاسة دون الآخرين وهي جربت كل المتنافسين اليوم على هذا النمصب ابتداء من علاوي الى الجعفري الى المالكي وبما يعني ضمنا ان هذه الشخصيات التي دخلت العراق على الدبابات الاميركية وتحت مظلة الغزو وما رافقه من ضرب لكل مقومات ومكونات الدولة العراقية التاريخية الحديثة هي شخصيات لا تمايز بينها من وجهة النظر الامريكية الا بما يخدم تلاوين المشهد المسرحي السياسي الذي يتطلب تغييرا في الوجوه احيانا او توزيع المناصب واقتسام كعكة السلطة. ما يجدر التوقف عنده هو ان ما سعت الولاياتالمتحدةالامريكية الى الترويج له ومحاولة تطبيقه خاصة في البلدان التي تحتلها استبدال الوطنية والهوية والانتماء القومي بوصفة الديمقراطية الزائفة وشعارات حقوق الانسان وغسل ذاكرة الشعوب وبالتركيز على اقناعها بان ما يسمى حرية الانسان هو بديل لحرية الاوطان ولا احد يجيب عن السؤال وهو كيف يكون الانسان حرا في وطن محتل ومستعبد ، وهل الحرية هي فقط ممارسة حق الاقتراع كما جرى مرارا في فلسطين وفي العراق وافغانستان وهذه الخديعة الخبيثة الصهيونية التآمرية ، يقصد منها تجريد الانسان من كرامته الوطنية وهويته الحضارية ورابطته القومية وجوهر حريته الانسانية القائمة على الاستقلال والتحرر من قيود العبودية الاستعمارية ممثل في الانعتاق من الاحتلال. من هنا نرى ان الهجمة على المنطقة لم تقتصر على الحرب الوقائية والاحتلالات العسكرية وانما التفكيك لكل اقطار الامة باسم الديمقراطية مع تبشير علني فاضح وواضح بان الحملة الاستعمارية الجديدة تريد تفكيك العلاقات البينية بين البلدان العربية وتفكيك داخلي لأقطارها الوطنية وخلق مكونات مؤثرة تكون مرتبطة بمشروع تغيير المنطقة وتعيد تركيب اقطارها داخليا بما يفتح الابواب للفوضى الخلاقة وتعيد صياغة بلدانها مجتمعة في نظام شرق اوسطي.. الخ. وتؤكد الولاياتالمتحدة ان احد اهدافها لاحتلال العراق هو لخلق ما تسميه نموذج ديمقراطي تريد تعميمه بكل الوسائل لكن فشل هذا النموذج للوصفة الديمقراطية حتى في الشكل هو احد الاسباب التخبط اليوم في العراق ، ففي كل مرة وبعد كل مخاض انتخابي زائف تتعقد الامور في العراق ، الا نلاحظ ان بلدا ديمقراطيا حقيقيا هو بريطانيا لم يحتاج لأكثر من ثلاثة ايام لتوافق احزاب متعارضة وتاريخية في بريطانيا على الائتلاف بين حزبين متناقضين لتشكيل حكومة وقبول الحزب الاخر بالصيغة بدون ضجة. اما في العراق فانه بعد ثلاثة اشهر لم تلد حتى الآن حكومة برغم ان كل زعامات الكتل النيابية هي شيعية كما اشرنا ، وحتى لو تشكلت حكومة فانها ستكون حكومة متعثرة شأنها شأن الحكومات الاخرى التي سبقتها ، وذلك في سياق الاستمرار في تقويض العراق وانهاء دولته الوطنية القوية وفرض ليل الاحتلال عليه طويلا او كما كان يقول مهيار قبل اكثر من الف عام: ايا صاحبي ابن فجر العراق أسدّوا منافذ ليل العراق وكيف غدا صف لعيني غدا أهم جعلوا صبحه اسودا المصدر: الدستور 26/5/2010