مع اقتراب الموعد المضروب للاستفتاء على تقرير مصير جنوب السودان تحورت وتبدلت الكثير من المواقف الكلاسيكية الداعمة لخط الوحدة وبدت التيارات الوحدوية في الجنوب والشمال في حالة من الضعف والخمول وارتفعت الأصوات الانفصالية خاصة في الجنوب وبدأ أمر الانفصال حتميا فقط تفصلنا عنه أيام قلائل ومن ثم تختفي خارطة السودان ونجد أنفسنا أمام حقائق جغرافية وسياسية جديدة، وخارجيا أرسلت الولاياتالمتحدة في أكثر من مناسبة إشارات داعمة ومؤيدة لتشطير السودان شمالاً وجنوباً، فيما يتعلق بموقف الحركة الشعبية من قضية وحدة السودان فكل الدلائل تشير الى ان الحركة حسمت أمرها وتوجهت جنوبا وتركت بعض النوافذ الضغيرة التي تدخل قليل هواء الوحدة والتحول الديمقراطي كنوع من المجاملات والترضيات لحلفاء الأمس ولتخفيف وقع الصدمة على جماعات علقت كل أمالها وأحلامها على جدار الحركة الشعبية ولكنها وجدت نفسها بين ليلة وضحاها في صقيع الواقع تلوك الصبر والحسرة. وكان الأمين العام للحركة الشعبية باقان أموم المحسوب على التيار الوحدوي في الحركة قد نعي الوحدة وقال لصحيفة الشرق الأوسط لا توجد إمكانية أو أي فرصة حتى ولو ضئيلة لتحقيق وحدة السودان الا اذا قام المؤتمر الوطني، بإعادة احتلال الجنوب والسيطرة عليه بالقوة العسكرية. وستكون خطوة دموية، وبذلك لن تكون وحدة، ولكن احتلال. ويكثر باقان أموم في الآونة الأخيرة الحديث عن الانفصال ويحمل كل المسؤولية لأطراف أخرى وبالذات المؤتمر الوطني بيد أن الغائب الحاضر في تصريحات أموم هو دور الحركة الشعبية في جعل خيار الوحدة خيارا جاذباً كما قالت بروتوكلات نيفاشا والحركة الشعبية عنصر أساسي فيها، ولا ينسي باقان وغيره من الانفصاليين الذين يلبسون لبوس الوحدة ويعملون من أجل الانفصال إرسال إشارات تربك العامة وتوهم البعض بأنهم لازالوا على موقفهم القديم الوحدة على أسس جديدة (السودان الجديد) وقال باقان لصحيفة الشرق الأوسط (الشماليون هم أعضاء في الحركة الشعبية .. ولهم حقوق كاملة .. وسيجدون أنفسهم أما في الشمال او في الجنوب، فالحركة الشعبية ستظل كما هي ولن يكون هناك فرق كبير، الفرق فقط هو أن الحدود الوهمية بين الشمال والجنوب، ستتحول الى حدود وهمية دولية) ومن جانبها أظهرت الولاياتالمتحدة اهتماما متزايداً بحق تقرير المصير ولا تزال تصريحات مبعوثها الى السودان أسكوت غرايشون ماثلة في الأذهان عندما قال في أعقاب الانتخابات الأخيرة أن الولاياتالمتحدة تؤيد وتقف بجانب نتائج الانتخابات رغم أنها حفلت بالأخطاء والتجاوزات من أجل الاستفتاء وعدم عرقلة خطوة تقرير مصير جنوب السودان. وعندما تعالت بعض الأصوات في ملتقي مدينة نيس الفرنسية الذي ضم رؤساء وقادة الدول الإفريقية مع الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي بتأجيل موضوع الاستفتاء سارعت الولاياتالمتحدة وعارضت مجرد التفكير في الخطوة وقالت مصادر في الخارجية الأمريكية لوسائل الإعلام أمس: الولاياتالمتحدة الأميركية مع تنفيذ الاتفاقية في مواعيدها ، وضد تأجيل الاستفتاء ولو ليوم واحد)). عزت ذلك ))لأن تأجيل الاستفتاء سوف يقود الى مشاكل وتعقيدات كثيرة)). وهناك نقطة تستحق التوقف عندها وهي مواقف القوى السياسية المعارضة في الشمال وهي وحدوية على الأقل من خلال ما تطرح في العلن وفي نفس الوقت حليفة للحركة الشعبية ولكنها لا تقوم بأي أدوار ملموسة تدفع الحركة في اتجاه دعم خطوات وحدة السودان فقط تكتفي بدعم كل مواقف الحركة ضد الوطني وتصمت عن كل الخروقات التي تحدث في الجنوب وتمضي أكثر من ذلك عندما تختلق المبررات للحركة الشعبية في كل مواقفها ذات التوجهات الانفصالية. وأشار القيادي بالحركة الشعبية الدكتور الواثق كمير في مقال منشور لمواقف القوى الشملاية تجاه الخروقات التي ترتكبها الحركة الشعبية في الجنوب وقال كمير (فقد عبرت كافة الأحزاب الجنوبية عن استيائها وأسفها الشديد للممارسات التي كانت تقوم بها عناصر من الجيش الشعبي أثناء فترة الاقتراع والفرز، وحملت الحركة الشعبية كل الخروق والتجاوزات الأمنية مع صمت مطبق للقوى السياسية الشمالية وعزوفها عن إبداء رأيها فيما وقع من خروق وانتهاكات باستثناء بعض حالات متفرقة). وتشير العديد من الدلائل أن الحركة الشعبية خطت خطوات كبيرة نحو الانفصال وبنفس المقدار ابتعدت عن مشروع السودان ولم تعد قيادات الحركة أمينة ووفية لرؤية (السودان الجديد الموحد) التأسيسية، كما كانت في زمن قرنق. وكانت دراسة للمعهد الوطني الديمقراطي ومقرة الولاياتالمتحدة، كشفت في وقت سابق أن الغالبية الساحقة من السودانيين الجنوبيين ستصوت لصالح قيام دولة مستقلة في الجنوب في الاستفتاء المقرر إجراؤه عام 2011م . غير أن الذي سيحسم أمر الاستفتاء ليس هو رأي المواطن الجنوبي بل هناك عوامل ومؤثرات داخلية وخارجية ومنها موقف الحركة الشعبية من الاستفتاء بالإضافة لمواقف الدول الكبرى وخاصة الولاياتالمتحدة وليس صحيحا ما يقال أن المواطن في الجنوب هو صاحب القرار الأول والأخير في تقرير مصير الجنوب نظريا هذا الكلام صحيح ولكن فعليا كلام غير دقيق، وعضد هذا الاتجاه القيادي بالمؤتمر الوطني البروفيسور عبد الرحيم على الذي قال في حوار له مع صحيفة (الحقيقة): في تقريري موضوع الاستفتاء خاضع لثلاثة عوامل يمكن ترتيبها بالأولوية، العامل الأول هو شعور ورأي وحال المواطن في جنوب السودان، وهذه هي التي يعبر عنها الاستفتاء لكن للأسف ليست هي الفاعل الوحيد، فعند لحظة الاستفتاء سيكون الفاعل الثاني قيادة جنوب السودان الممثلة في الحركة الشعبية، لأن الحركة الشعبية تستطيع أن تدفع المواطن الجنوبي في اتجاه الانفصال أو الوحدة ، فهو اذن قرار سياسي من قيادات الحركة الشعبية من العسكر والسياسيين. وستظل مواقف بعض قيادات الحركة الشعبية البارزة والولاياتالمتحدةالأمريكية ترفد حركة الانفصاليين بالحركة والدفع المعنوي والمادي وصحيح هنالك عوامل أخرى وجهات من خارج الجنوب وبمعزل عن خط الإدارة الأمريكية تعمل على إفشال خطوات الوحدة لتحقيق أجندة خاصة ولكن تظل الحركة الشعبية مطالبة بالعمل على ترميم جسور الوحدة في كل الأحوال. نقلاً عن صحيفة الحقيقة 7/6/2010م