تتطلب المرحلة السياسية الراهنة من عمر السودان، أن تتوافق القوى السياسية المختلفة التي يعنيها - بالضرورة -حاضره ومستقبله،على كيفية مجابهة تحديات الواقع السياسي، في ظل تسارع الأحداث المحيطة بالسودان وتشابك خيوطها. لقد ظل أقلام سودانية عديدة تكتب - باستمرار - عن أهمية اشراك مختلف تيارات ومدارس السياسة السودانية في اقتراح الحلول الناجعة التي تضمن تجاوز كافة الأزمات الراهنة. وبالطبع فإن الكثير من هذه الكتابات يصدر عن معارضين، أغلبهم يقفون في موقع الاستقلالية من القوى الحزبية على الساحة الوطنية، ولا يحركهم سوى الحدب على مصالح السودان العليا. ويجد المرء أن عليه الحديث هنا عن بعض المؤشرات الراهنة المتعلقة بمسارات الحراك السياسي الراهن في السودان. ان هنالك استشعارا لقلق حقيقي على مصير (وحدة السودان)، وهو قلق له ما يبرره، ففي ظل التوتر الذي ساد علاقة شريكي «اتفاقية سلام نيفاشا» لمعالجة قضية «جنوب السودان»،لوقت طويل، فان المخاوف تتصاعد في أوساط الرأي العام السوداني من احتمال اختيار أغلبية أهل الجنوب للانفصال، لتنشأ في هذه الحالة - عبر خيار الاستفتاء لتقرير مصير الجنوب - دولة جديدة هي ( دولة الجنوب ). ونحن بالطبع لسنا مع الانفصال ولا ندعو له، بل نعتقد بأن المطلوب، ما دام هنالك وقت حتى لو كان وجيزا، أن تتنادى كافة القوى السياسية والمجتمعية وفي طليعتها نخب الثقافة والابداع، لمحاولة تغيير ما قد يظهر في الفترة المقبلة من «مزاج انفصالي» لدى بعض الجنوبيين. ونرى بأن اشراك القوى المعارضة لا يقل أهمية عن ما تقوم به رئاسة الجمهورية في أفق انتظار التشكيلة الحكومية الجديدة. ونتبع ذلك بالقول بأن توقيت مضاعفة الجهود الوطنية على الساحة السودانية قد أقبل، وأن نداء الحفاظ على وحدة السودان بكل الوسائل السياسية والاعلامية والفكرية والثقافية والاجتماعية المشروعة، يمثل نداء بالغ الأهمية في مسار التاريخ السوداني الحديث. ونعتبر بأن اعلان الحكومة عن ( نفرة الوحدة ) بمشاركة مؤسسات أكاديمية تصدرتها الآن جامعة الخرطوم، وبإسهام قوى نقابية ومنظمات للمجتمع المدني، يحتاج الى ايلائه التقدير المماثل من قوى المعارضة وهي - بطبيعة الحال - لا تتحمل حاليا مسؤوليات تنفيذية مباشرة لكنها جزء من التحدي والامتحان. ويقودنا ذلك - ايضا - لتكرار الحديث عن اهمية افساح المجال الملائم في أجهزة الاعلام _ مكتوبة ومسموعة ومرئية - بحرية تامة، لكل القوى الراغبة في مؤازرة خيار صون الوحدة ونبذ الفرقة وطرد «طائر شؤم تفتيت الكيان الوطني السوداني الموروث عن أجيال الأمس موحدة». ان التحدي مستمر، وهو تحد ينادي كل أصحاب الانتماء الوطني الخالص والصادق، وأهل التجرد والصدق مع النفس، ليقولوا كلمتهم في حراك ( وحدة السودان). لقد تكرر ترديد أصوات اعلامية عديدة بالداخل والخارج،لضرورة تحقيق الوفاق الوطني. ومثل هذا الحديث ليس هدفه ملء «فراغ السطور»، بل هو أمر من صميم مقتضيات الاستجابة لنداء الواجب الوطني لضمان تجاوز مختلف الأزمات السياسية الراهنة التي تواجه السودان وفي مقدمتها قضية الحفاظ على الوحدة وقضية دارفور. ان المنعطف السياسي الخطير الذي يمر به السودان، خاصة مع تزايد حدة الاستهداف التآمري للبلاد من قوى خارجية، لا تهمها مصلحة السودان وأهله، ليفرض بكل المصداقية التنادي الى هدف «الوفاق الوطني الحقيق» .. وهذا الهدف لم يعد يحتمل التأجيل. ان التوصل الى الصيغ الوفاقية الوطنية الأمثل يمر عبر بوابة الحوار الوطني الشامل، بشفافية وصراحة وموضوعية وعقلانية لتجنيب السودان مخاطر التمزق أو الانحدار، لا قدر الله،الى مصائر بعض الدول من حولنا التي لفها لوقت طويل اعصار العنف والعنف المضاد والانفلات الأمني. لا بد في هذه المرحلة لكل القوى الحادبة على مصلحة السودان ومصلحة أبنائه أن تبادر بأداء الأدوار المناطة بها، ومن المهم أن ينتظم الساحة السودانية في الجانبين السياسي والاعلامي حوار وطني عميق، فذلك وحده ييسر للجميع استكشاف الطاقات الكامنة لدى أبناء شعبنا في كل أقاليمه، وتلمس ما يرغب فيه الشعب.. ومن ثم توفير امكانيات الايفاء برغبة الشعب. ان النخب الثقافية والسياسية مطالبة بشحذ همتها لابتدار المعالجات المطلوبة، التي تضمن انجاز المهام الوطنية التي تفرضها تحديات المرحلة الحالية من عمر السودان. ونعتقد بأن طرح القضايا الواقعية على مائدة الحوار الوطني المفتوح الذي لا يقصي أحدا ولا يستثني احدا سوف يشكل مفتاحا مهما لحلحلة مختلف أزمات المشهد السياسي السوداني. انه من الضروري استثمار ما يوجد حاليا من ظروف إيجابية عديدة تجعل من انجاز الاهداف الوطنية في الساحة السودانية ممكنا وفي مقدمة ذلك ما نرصده، ومنذ أعوام عديدة من تضافر وتلاحم جهود دول عربية واسلامية وافريقية شقيقة مع السودان في مواجهته لتحديات واقعه السياسي، اذ إن الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الاسلامي والاتحاد الافريقي بقادة دوله وبتضامن ودعم شعوبه، هم جميعا يساندون السودان في جهوده للحفاظ على وحدته وتحقيق السلام في اقليم دارفور العزيز على الجميع، لأن وجود سودان قوي وموحد في وسط القارة الافريقية متواصلا مع عمقيه الاسلامي والعربي وعمق افريقا أيضا، اسلاميا وعربيا، هو من دون شك مكسب للجميع. المصدر: الوطن القطرية 14/6/2010