في اطار تفعيل الحوار على ساحتي العمل السياسي والاعلامي بالسودان، ظلت العديد من الشخصيات الوطنية تبعث بمبادراتها وتقدم أطروحاتها المجردة عن الغرض، والنابضة بالصدق، لتقول كلمتها بموضوعية حول قضايا الشأن السوداني الراهن وفي هذا الصدد فقد تلقيت خلال اليومين الماضيين، اتصالا هاتفيا من الخبير الاعلامي بدولة قطر الدكتور صلاح خوجلي، تحدث عبره عن أهمية تبلور خطوات عملية حول كيفية التعامل مع التحديات السياسية الشاملة التي تواجه السودان، وخصوصا بالنسبة للأطروحات المتعلقة بالدعوة إلى الحفاظ على وحدته، في ظل ترقب اجراء استفتاء تقرير المصير بالجنوب في يناير وفي هذا الاطار، فإنني أود أن ألقي حزمة من الضوء على ملاحظات مهمة قدمها دخوجلي، تتعلق بقضايا السودان الراهنة وفي مقدمتها المناقشات حول قضية وحدته وهو يقول في هذا السياق أنه من الضروري تضع نخب السياسة والفكر والثقافة في السودان التصور الموضوعي بناء هذا الافتراض ماذا لو كانت نتيجة الاستفتاء المرتقب في الجنوب هي الانفصال؟ وقدم دخوجلي في هذا الاطار التساؤل التالي في حال انفصال الجنوب، هل يستمر الوضع السياسي في السودان بذات الصيغة السياسية الراهنة أم تتم الدعوة إلى تشكيل حكومة قومية لمجابهة الوضع السياسي الذي سيطرأ بالبلاد ومضى دخوجلي إلى القول بأنه في ظل ظروف الأوضاع بغرب السودان والاشكاليات المطروحة بأقاليم اخرى، فإنه يجب أن ينسى الناس المكاسب الحزبية وأن يتجهوا بروح وطنية خالصة ومتجردة عن الاغراض والأهواء، للمناداة بتشكيل حكومة قومية، مشددا على أهمية تناسي الفرقاء السودانيين لخلافاتهم، لمواجهة تحديات وقضايا الواقع السوداني المتعددة، بصورة شاملة وتساءل دخوجلي أيضا لماذا يوجد التهميش في مناطق أخرى من السودان، بخلاف الجنوب؟ وقال ان تأملنا للأوضاع المتعلقة بتحديات التنمية الاقتصادية والاجتماعية المتوازنة بكل أقاليم السودان، يدفعنا لتأكيد ضرورة مراجعة المناهج المتعلقة بخطط التنمية، في مرحلة وضع السياسات التنموية ثم في مرحلة انفاذها، بحيث لا تكون المعالجات لقضية التنمية معالجات فوقية، بعيدة عن تلمس نبض الجماهير وهمومهم ومطالبهم، وانما ان تكون مستصحبة للحلول الواقعية التي تستند إلى اشراك المواطنين في حراك التخطيط والتنفيذ لمشروعات التنمية، وذلك من خلال افساح الفرص الحقيقية لمشاركة المواطنين في العمل العام، بعيدا عن الانتماء الحزبي الضيق، أي بأن يشرك مواطنو الولايات والأقاليم المختلفة، عبر صيغ عملية، في اقتراح خطط ومشروعات التنمية بولاياتهم و أقاليمهم وأن تكون لهم أدوار المتابعة عند تنفيذها وتجسيدها على أرض الواقع إنني في هذا المقام، أرى أن الملاحظات التي طرحها دخوجلي عن كيفية التصدي للتحديات السياسية الحالية بالسودان، تمثل رؤية متميزة ومهمة وأضيف القول هنا بأن المطلوب في التوقيت الراهن، تواصل مثل هذه الأطروحات التي تتوشح بالصدق في تحمل مسؤولية التفكير في تقديم الحلول الواقعية للقضايا والمشكلات السياسية كافة اذ أنه من المهم أن تقوم أطروحات الحراك السياسي على معرفة هموم المواطنين البسطاء بكل شبر من أرض السودان، ليتسنى بذلك استنباط الحلول التي تدفع بالمسيرة الوطنية السودانية إلى الأمام، باتجاه غاياتها السامية وأهدافها النبيلة التي ينشدها الجميع ان المراجعة الواقعية للتحديات المرتسمة في أفق السياسة السودانية الآن، تكشف عن وجود بواعث للقلق ازاء المآلات المقبلة المتزامنة مع تنظيم استفتاء الجنوب وما بعده اذ أن انفتاح الاحتمالات السيسية على سيناريوهات متعددة، وسط حالة التنازع والخلافات السياسية التي تتزايد حينا ثم تتناقص حينا آخر، يشكل بالفعل مبعثا للتخوف من احتمالات تهدد حالة الاستقرار السياسي والأقتصادي النسبي بالسودان بتفاعلات تلك السيناريوهات، خاصة أن عدة اطراف في المشهد السياسي تلوح بأن أطرحاتها تجد السند من قوى خارجية وإذا كانت المناداة بالتوافق الوطني العريض ضرورة في الأزمان الماضية فهي الآن تكتسي صيغة الضرورة القصوى ونرى هنا بأن تأمين السودان من احتمالات تطور نزاعات السياسة في المرحلة الراهنة، خاصة النزاعات المرتبطة بقضية الجنوب، إلى ما لا تحمد عقباه، يعتبر الآن اولوية الأولويات ولا شك ان التوصل للوفاق الوطني المنشود يمر عبر تقديم تنازلات متبادلة من قبل مختلف القوى الوطنية، وهي جميعها شريكة في الهم السياسي الوطني ان تطور حراك العمل السياسي في عصرنا الراهن بات يفرض نظرة أكثر تقديرا لاتجاهات الرأي العام للتعرف على نبضه الحقيقي وتطلعاته المشروعة، وما يأمله الجميع على مدى الفترة الوجيزة التي تفصل السودان عن تنظيم الاستفتاء المصيري، أن يتوافق الفرقاء السودانيين بروح عالية من المسؤولية الوطنية على كيفية تجنب أي احتمالات تفضي، لا قدر الله، إلى زعزعة الاستقرار بأي جزء من أجزاء الوطن الذي نأمل ان تصمد وحدته في وجه كافة التحديات التي تلوح الآن في الأفق ونقول بأن أفق الحراك السياسي للحاضر والمستقبل سيظل بحاجة أكيدة إلى استمرارية الحوار الصريح والشفاف بين كافة الأطراف في مساحة العمل الوطني السوداني التي استعصت بالأميس وستستعصي دوما، على كل نوازع الانفراد بالرأي أو القرار السياسي، خصوصا في القضايا التي تهم جميع أبناء الوطن دون تمييز . المصدر: الوطن القطرية 25/8/2010