عند التأمل بمعطيات الواقع السياسي يستجمع المرء الكثير من الأفكار والآراء التي تتباين فيها الأطروحات، حول أنجع السبل لتفادي الأزمات ومعالجة المشكلات. هذه الرؤية الواقعية المتعلقة بالعمل السياسي الوطني تمثل منطلقا مهما لتجديد القراءات للقضايا السياسية المختلفة. وعبر هذه الخاطرة التلقائية، تنتقل الكلمات هنا من نقطة الى أخرى، في اطار البحث عن مغزى الحراك السياسي الراهن الذي يشهده السودان في مرحلة سياسية يجمع المراقبون على وصفها بأنها تعد أخطر مراحل العمل الوطني بالبلاد منذ الاستقلال في يناير 1956 حتى الآن. لقد انقضى استحقاق الانتخابات، بكل ما صحبها من جدال متفاعل، لم تجنح فيه القوى السياسية الى الصمت في زواياه السلبية وانما بادر الجميع حتى من قاطعوا الانتخابات بطرح رؤاهم حول سودان الحاضر وسودان المستقبل. اننا نبصر - بالطبع - استمرار الخلافات بين معسكري الحكم والمعارضة في السودان على خلفية العديد من القضايا المرتبطة ب «الاستحقاق الانتخابي». ولكننا، من خلال المتابعة الدؤوبة والرصد الدقيق للشأن السوداني، نرى بأن هنالك رأيا سياسيا جوهريا يأخذ في التبلور حاليا وهوالرأي الذي يتجه الى التعامل بواقعية مع اشكاليات العمل السياسي في هذه المرحلة، وذلك عبر تأكيد ضرورة التصدي للقضايا الأساسية التي ينبغي أن تحتل الأولوية في سلم الحراك السياسي الراهن، ونقصد بذلك قضيتي وحدة السودان وسلام دارفور. ان الرصد لما يدور على الساحة السودانية من حراك متفاعل في الوقت الراهن يكشف بأن تشكيل الحكومة الجديدة يتوقع له أن يتم في نهاية مايو الحالي أو بداية يونيو المقبل. واذا أردنا التعمق أكثر في قراءة ما يدور من أفكار في أروقة حزب المؤتمر الوطني، فاننا سنقتطف هنا بعضا من تصريحات أحد كبار مسؤولي الحزب. يقول الدكتور نافع علي نافع نائب رئيس المؤتمر الوطني للشؤون التنظيمية ان الحكومة المقبلة ستكون حكومة برنامج، مشيرا الى أن «التفويض المطلق في تكوينها لرئيس الحمهورية». ويضيف بأنها «لن تكون ائتلافية بالمعنى التقليدي ولن تكون حزبية بل ستشارك فيها شخصيات مؤمنة بالبرنامج المطروح وتناول القضايا القومية في السياسة الخارجية». اننا نعتبر بأن ما تحمله رؤية المؤتمر الوطني حول طبيعة الحراك السياسي القادم بعد الانتخابات تؤشر على امكانية تبني الأطروحات الأمثل التي تستخلصها مختلف نخب العمل السياسي والفكري في السودان بشأن كيفية مواجهة التحديين الكبيرين: الحفاظ على وحدة السودان واكمال سلام دارفور. ونبصر أيضا أن المؤتمر الوطني، وفقا لجانب آخر من الافادات التي تضمنتها تصريحات د. نافع يعتبر فيها بأن «وحدة السودان هم وطني» حيث يقول في تصريحاته: (سنفرغ كل جهدنا لتحقيقها، وسنتعاون مع كل القوى السياسية بما فيها المعارضة. وربما يقود التعاون الى لجان عمل مشترك لدعم الوحدة). وفي تعليقنا على هذا الجانب من تصريحات د. نافع، فإننا نرى بأن الفترة القصيرة المتبقية التي تفصلنا عن موعد استفتاء تقرير المصير لأهل جنوب السودان (يناير 2011)، تفرض أكبر قدر ممكن من التضامن بين اهل السودان جميعهم، وهو ما يستدعي خطة قومية لاستنفار الجهد الشعبي في كل شبر من أرض السودان. ونذكر هنا بأن الرئيس عمر البشير قد أعلن قبل أيام بأنه يعتبر بأن المعركة الكبرى التي تواجه السودان الآن هي «معركة الوحدة». انه من المؤمل أن تتعافى القلوب وأن يتناسى الفرقاء خلافات السنين الماضية كلها، ليقبلوا على عهد جديد، ينتظر أن يسطر فيه السودانيون ملحمة جديدة من ملاحم العمل الوطني، هي ملحمة الحفاظ على وحدة السودان. ان قضية الوحدة تتطلب حوارات سياسية مفتوحة، يتحدث فيها بالخصوص أبناء جنوب السودان. وليس شرطا أن يتحدث محترفو العمل السياسي، فان الحكمة احيانا تأتي من فم رجل الشارع البسيط. وعبر الحوار الشامل يمكن استخلاص مكونات رأي عام وطني عريض يسوده الاجماع بخصوص تهيئة أفضل الظروف لجعل الوحدة جاذبة. ونقول في ذات السياق، بأن شريكي اتفاقية السلام الشامل (اتفاقية نيفاشا)، وهما «المؤتمر الوطني» و«الحركة الشعبية» ينتظرهما جهد خاص في هذا الصدد، ليبادرا قبل غيرهما وليجتهدا اكثر من الآخرين، في سياق تأكيد أفضلية خيار الوحدة. ومن المهم التساؤل هنا: لماذا لا تبادر الحركة الشعبية بالتخطيط لسلسلة من الندوات الجماهيرية المفتوحة في كل مدن وقرى الجنوب لتوضيح ما يعنيه وما سيترتب من مآلات وتبعات على كل خيار من الخيارين المطروحين عبر صناديق «الاستفتاء» وهما خيارا: سودان واحد، أو سودانين ينفصل كل منهما عن الآخر ويستقل بذاته؟. من جانب آخر فان النظرة الواقعية لتحديات السياسة السودانية الراهنة تكشف بأن قضية دارفور لا تقل أهمية عن قضية «تأمين وحدة السودان». وفي هذا الجانب، فان التفاؤل لا ينقطع بأن تفلح الوساطة القطرية - الأممية في استكمال تحقيق سلام دارفور، عبر محطاته النهائية المقبلة. وفي المشهد السياسي العام في السودان، فاننا نرى بأن طبيعة المرحلة الراهنة بما تزخر به من تحديات جسام تفرض على جميع الفرقاء مسؤوليات تاريخية. فلن يكون مقبولا أن يتقاعس أي حزب أو تنظيم سياسي سوداني في الاستجابة ل «نداء الواجب الوطني». ولعلنا نقرأ في تصريحات د. نافع اجمالا ما يبشر بأن يتجه «المؤتمر» نحو التعامل مع شخصيات قومية للتصدي لتحديات هذه المرحلة، خاصة انه يقول في تصريحاته: يمكن للوزير أن يكون من خارج البرلمان. المصدر: الوطن القطرية 3/5/2010