في إستباق واضح لعملية الإستفتاء التي لا تزال تفصلنا عنها أشهر طويلة بحسابات العمل السياسي الاستراتيجي، فقد بدأ قادة الحركة الشعبية – وحدهم – في إبتدار حملة دولية للتبشير بدولة جنوبية وليدة قافزين قفزاً فوق حاجز الإرادة الشعبية لمواطني الجنوب السوداني ومتجاهلين كل التجاهل لرؤى وأطروحات القوى السياسية الجنوبية الأخرى. فالفريق كير زعيم الحركة التقى نائب الرئيس الأمريكي (بايدن) في نيروبي مؤخراً لهذا الهدف، ثم ما لبث أن طار أمين عام الحركة باقان أموم الى نيويورك حيث لم يكتف هناك بالحديث عن ضرورة الحرص على إجراء الاستفتاء كاستحقاق قررته اتفاقية نيفاشا 2005ولكنه ناشد أعضاء مجلس الأمن الاعتراف بدولة الجنوب المرتقبة عازياً اختيارهم كحركة للانفصال الى ما أسماه سياسات المؤتمر الوطني وفشل الاخير في جعل خيار الوحدة جاذباً. ثم دلف أموم بعد ذلك الى الكونغرس الأمريكي في واشنطن حيث أجرى لقاءات ثنائية وخاطب الأعضاء عن حق الجنوب في اسماه الاستقلال وأفاض الرجل في شرح دواعيهم ومبرراتهم. وهنا في عاصمة الجنوب جوبا لم يتأخر نائب رئيس حكومة الجنوب د. رياك مشار بمجرد إعادة تعيينه نائباً للفريق كير في كيل الاتهامات للشمال السوداني وشريكهم الحزب الوطني واخفاقهم في جعل الوحدة جاذبة وكان الامر اللافت في حديث مشار – وربما كان سبب ذلك شعوره بالارتياح عقب اعادة تعيينه نائباً للفريق كير – أنه أجمل أسباب نزوعهم الى الانفصال في حرص الشمال على انفاذ الشريعة الاسلامية ورفض العلمانية، وعدم تبني مشروعات تنموية في الجنوب! وقال مشار بالحرف (اذا تخلى المؤتمر الوطني عن قوانين الشريعة فإنه يمكن أن يفتح الباب لإعادة هيكلة الدولة السودانية على أساس علماني)!! هذا المشهد الذي يصح أن نطلق عليه (غير أمين وغير موضوعي) اختار قادة الحركة الشعبية صياغته في هذا الوقت بالذات لإنتزاع دولة الجنوب انتزاعاً ولعل أكثر ما يؤسف فيه هو تجاهل الرغبة الحقيقية لمواطني الجنوب إذ أنه ومهما كانت مواقف هؤلاء المواطنين وما يُثار من أنهم راغبين في الانفصال، فإن كل هذا يعتبر مجرد تخمين وتوقعات قد تصدق وقد تكذب وتقتضي الأمانة السياسية أن لا تؤثر الحركة – بمثل هذه المواقف – على رؤى ومواقف هؤلاء المواطنين فالحركة بهذه التصرفات (ترضى نفسها وتنتصر لأهدافها الخاصة بها) ولا تعبّر (بأمانة) عن المواطنين الجنوبيين، كما أن من الغريب حقاً أن تخاطب الحركة مجلس الأمن طالبة منه الاعتراف بدولتها والاستفتاء لم يجر بعد اذ من المعروف ان الاستفتاء اذا اجرى وجاءت نتيجته بالانفصال فإن العالم بأسره سوف يعترف بالدولة الجنوبية احتراماً لنتيجة الاستفتاء فما الداعي للمطالبة باعتراف مسبق؟ أما فيما يلي حديث مشار فهو أكثر غرابة لأن الوحدة والانفصال غير مرتبطان بالقوانين الاسلامية بتاتاً حيث كفل النظام الفيدرالي كامل الحق للجنوب لتشريع القوانين التي يريدها بعيداً عن الشريعة الاسلامية. ان من الواضح أن الحركة الشعبية متخوفة ويساورها هاجس نتيجة الاستفتاء وتكشف تحركاتها هذه عن أنها (غير واثقة تماماً) من نتيجة الاستفتاء، وتخشى أن يخب أملها ولهذا فهي تستبق ذلك بالبحث عن دعم دولي متعجلة الأمور وخائفة على نفسها من أن تأتي رياح الاستفتاء بما لا تشتهي سفنها السياسية!!