لقد تم حتى الآن تأجير ملايين الهكتارات من الأراضي الإفريقية الخصبة لإقامة مشاريع زراعية صناعية ضخمة. إن هذا التهافت على الأراضي الإفريقية يمثل فرصة بقدر ما يشكل ظاهرة لا تخلو من مخاطر. تحاول شركة أداكس السويسرية للأغذية البيولوجية على سبيل المثال إنتاج قصب السكر من خلال استغلال ما لا يقل عن 10000 هكتار في سيراليون. وبدأ الحديث منذ عدة أشهر عن تأثير مثل هذا التهافت على تملك وتأجير الأراضي في النسيج الاجتماعي في الدول الافريقية، بما في ذلك برنامج قصب السكر الذي تنفذه الشركة السويسرية في منطقة ماكيني في وسط سيراليون. تخطط الشركة السويسرية لاستغلال مساحة 10000 هكتار لانتاج 100000 طن من الإيثانول النباتي الذي سيتم تصديره إلى أسواق دول الاتحاد الأوروبي. يعيش في هذه المنطقة 17 ألف قروي في ظروف صعبة يتوزعون على أكثر من أربعين قرية صغيرة - لا يوجد أي تعداد رسمي للسكان - لقد أظهرت دراسة أجريت مؤخرا أن 9 من بين كل عشرة شملهم استطلاع الآراء أنهم يعانون نقصا في المؤونة الغذائية. كيف يمكن ضمان تقديم التعويضات اللازمة لهؤلاء السكان المحليين الذين تؤجر الحكومة أراضي بلادهم خمسين سنة كي تسير سيارتنا باستخدام وقود نباتي صديق للبيئة؟ لقد أسهمت شركة أداكس في إحداث 4000 فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة لهؤلاء السكان القرويين في منطقة ماكنبي. هل تعتبر فرص العمل هذه والوعود التي قدمتها الشركة بالمساهمة في تحديث الزراعة في المنطقة فرصة إيجابية فريدة أم تراها بداية سلسلة جديدة من الكوارث ناجمة عن المشاريع الكبيرة التي عادت أغلبها بالوبال على الدول والشعوب الافريقية. إن الأجوبة عن مثل هذه الأسئلة تتجاوز بكثير حدود شركة أداكس السويسرية، فقد أظهرت دراسة صادرة عن المعهد الدولي لبحوث سياسات الغذاء أن ما بين 15 و20 مليون هكتار تدور حولها صفقات ومفاوضات مع المستثمرين الأجانب في الدول النامية منذ سنة .2006 كشفت دراسة أخرى أنه قد تم حتى الآن تأجير ما لا يقل عن 1،1 مليون هكتار (ثلث مساحة سويسرا) من الأراضي في بلدان جنوب الصحراء من أجل إنتاج وقود الإيثانول البيولوجي. لقد نددت عدة منظمات دولية غير حكومية مثل لىء يكء وَيفْا بهذا السباق المحموم الذي تتداخل فيه الشركات المتعددة الجنسيات والصناديق الاستثمارية العملاقة في بلدان الشمال والجنوب على حد سواء على حساب الملايين من السكان الأفارقة. ثيوفيليس جابيندا صحفي وناشط وهو صاحب رأي في المشروع الذين تنفذه شركة أداكس السويسرية: "إن مزارع قصب السكر لا تستخدم في ملء بطون السكان الجياع في سيراليون بل إنها تستخدم في تصدير المنتجات إلى دول الاتحاد الأوروبي. إنها مشاريع لا تعود بأي فائدة على سكان سيراليون وغيرهم من السكان الأفارقة الآخرين". إن سيراليون واحدة من أفقر دول العالم. لذلك فإنه لا يمكن أن ترفض حكومتها مشروعا استثماريا تعرضه شركة أجنبية "تشغل القادة المحليين وترتكز في مصالحها على أقوى رجل أعمال في منطقة ماكيني وهو فنسون كانو". كيف يمكن للسكان الفقراء المحليين أن يكون لهم رأي مستقل؟ يشارك البنك الأوروبي للاستثمار وخمس دول أوروبية والبنك الإفريقي للتنمية في تمويل المشروع الذي تنفذه شركة أداكس السويسرية وفق شروط ومعايير مشددة من ذلك مثلا أنها أجرت خمس عشرة دراسة لتقييم الآثار المحتملة على النسيج الاجتماعي والزراعي التقليدي في سيراليون. ينتظر أن تقوم المحطة التابعة للشركة أيضا بإنتاج ما لا يقل عن 15 ميجاوات من الطاقة الكهربائية وهو ما يمثل ربع إنتاج دولة سيراليون التي تعاني نقصا شديدا في هذا القطاع. تولت هايد فان فلاندرين إجراء الدراسة المتعلقة بتقييم الآثار البيئية وقد نبهت إلى التأثيرات الاجتماعية. فالتعويضات التي سيحصل عليها السكان القرويون المحليون وفرص العمل التي ستتوافر لهم من شأنها أن تثير حفيظة بقية المناطق المجاورة في بلد معروف بكثرة صراعاته القبلية. لا يمكن معرفة ما قد ينجم عن مثل هذه المشاريع التي قد تتسبب في تقويض التوازن الزراعي والاجتماعي في المجتمعات الافريقية. إن مثل هذا الكلام الأكاديمي لا يزعج جريج هاجنس الذي ينحدر من جمهورية جنوب افريقيا وقد أوكل إليه مشاريع مماثلة في زامبيا وتنزانيا لحساب شركات أوروبية وبعض الأطراف الخليجية أيضا. لذلك فقد أوكلت له شركة أداكس السويسرية، بحكم خبرته الكبيرة، تنفيذ المرحلة الأكثر حساسية من المشروع التي تغطي مساحة 400 هكتار بما في ذلك إبرام عقود التأجير والبدء بإقامة مشروع نموذجي تمهيدا لاستغلال كامل الأرض المؤجرة. لقد نجح حتى الآن في إنتاج الأرز أربع مرات من دون استخدام أي أسمدة كيماوية. المصدر: اخبار الخليج 22/6/2010