لم تكن الجماهيرية الليبية بعيدة عن ما يجري في السودان منذ قيام ثورتها في الفاتح من سبتمبر 1969م ، ولطبيعة النظام الحاكم فيها فإن التدخلات في الشأن السوداني خلال أربعين عاماً لم تغب ولم تتوقف قط، بيد أن الأبرز من هذا الدور غير الإيجابي والسافر يتبدى الآن في احتضان ليبيا لقيادة حركة العدل والمساواة بقيادة خليل إبراهيم المقيم في أراضيها رغم أنف الحكومة السودانية التي طالبت إما بإبعاده أو دفعه لمواصلة التفاوض في الدوحة حيث تجري مفاوضات حثيثة للتوصل لسلام في دارفور. وليس خافياً أن ليبيا هي صاحبة المصلحة الأولى في اشتعال الحريق في دارفور وهي مَن صنع هذه الحركات ودعمها وسلّحها وموّلها لتكون دارفور هي الجرح النازف الآخر في السودان، مثلما فعلت ليبيا بدعمها لجون قرنق عندما أسس حركته ولجأ للقذافي لدعمه بالمال والسلاح وقد فعل ذلك بحجة معارضة نظام مايو، وبذات الطريقة تواصل ليبيا تآمرها على شعب السودان باستمرار الدعم والسند والمؤازرة التي تجدها حركة العدل والمساواة المتمردة في دارفور ، ومن عجب أنه عندما تأسست حركة تحرير السودان في 2002م بقيادة عبد الله أبكر الضابط بالجيش التشادي آنئذ وعبد الواحد محمد نور ومني أركو مناوي ، كانت ليبيا هي المبادرة بدعم وتسليح هذه الحركة ورعايتها، ولم ينقطع الدعم الليبي لها ولا يزال ، وترافق ذلك مع المسار الآخر للدعم الذي قدم لحركة العدل والمساواة التي تأسست أيضاًَ في ذلك الأوان، بجانب حركات أخرى، وزرعت عناصرها من حركة اللجان الثورية من السودانيين المنظمين باللجان الثورية داخل هذه الحركات أمثال عثمان البشرى وأبو عمار وسليمان جار النبي وتيراب وغيرهم لتضمن ولاء هذه الحركات لصالح المرام والهدف الليبي في السودان. وخلال دورة النار والحريق في دارفور منذ 2003م ، لم يكن هناك سوى السلاح الليبي الذي أشعل وأحدث كل الخراب والدمار في دارفور، وجاءت مغامرات الحركات الطائشة مثل الهجوم على أم درمان في مايو 2008م بتنسيق ودعم من الجماهيرية التي وجدت من الوثائق والأدلة ما يثبت تورُّطها، وصممت الحكومة السودانية عن ذلك الجرم الفادح في حق شعب السودان، وفضلت القنوات الدبلوماسية لتلافي الأزمة وعدم استفحالها وتحولها لجبهة مفتوحة من التنازع والقطيعة بين البلدين. ولا تستطيع الجماهيرية نكران ما تفعله في بلادنا، فالتاريخ خلال الأربعين عاماً الماضية مثقل بالأحداث التي تورّطت فيها طرابلس بأعمال عدائية ضد الخرطوم ويحفظها الشعب السوداني ويدركها جيداً، ولذلك فإن احتضان حركة العدل والمساواة ومعاملة رئيسها كرأس دولة، وتحريضه بعدم الذهاب للدوحة لمواصلة المفاوضات، وما يقال عن دعم مالي وعسكري وتسليحي ليبي كبير للحركة، لمواصلة حربها وترتيب أوضاعها لشن عمليات عسكرية جديدة، كله يضع ليبيا في خانة الدولة المعادية التي تعمل ضد أمن واستقرار البلاد وسلامة أراضيها، والتاريخ ذاخر بهذه المواقف المخزية والطعن في الظهر والتنكر للشعارات القومية وتضليل ونفخ مزمار التوجهات الإفريقية، فكل مصائبنا تأتينا من هذه الجارة التي لا هم لها سوى الكيد لبلادنا وجعلنا نعيش في اضطراب وصراع وحرب واقتتال كأنها تتلذذ بتقاتل السودانيين والدم الذي يسيل بينهم .!! إن وجود خليل إبراهيم في ليبيا وطريقة معاملته هناك وطرابلس تعلم أن حركته حركة متمردة إرهابية لا تعمل لصالح السودان وشعبه وتحارب من أجل أجندة أخرى المتضرر منها غير الشعب السوداني الشعب الليبي أيضاً الذي تعمل قيادته الآن لاحتضان وتقبيل الأفعى والتي ستلدغ شعبه وتستهدفه. اللعبة الدولية المكشوفة ستجعل من هذا الدور الذي تلعبه ليبيا غالي الثمن، فكثير من المغامرات والمشاغبات والمعابثات الليبية في المجال الإقليمي والدولي جعلت ليبيا تتراجع في النهاية وتدفع الثمن مضاعفاً وما قصة الجيش الجمهوري الإيرلندي ببعيدة عن الأذهان عندما انصاعت ليبيا في مطلع التسعينيات وسلّمت ملف حلفائها من الجيش الجمهوري للمخابرات البريطانية، وهاهي تدفع مليارات الدولارات كتعويض لعائلات وضحايا هجمات الجيش الجمهوري الإيرلندي كما دفعت تعويضات من مال الشعب الليبي في قضية لوكربي التي نعلم أنها قضية استخدمت لتخويف النظام الليبي وإرعابه، فكيف ستكون الحال لو نفد صبر الشعب السوداني وتصدى لهذه الأفاعيل والتهور الليبي الذي سيكون ثمنه فساد العلاقة والآصرة التاريخية بين البلدين والشعبين، وظهور النظام في ليبيا في ثوب المتآمر على البلاد الوالغ في دم السودانيين. لو كانت طرابلس تريد الخير للشعب السوداني، وتحب السلام والأمن والطمأنينة، لما سمحت لخليل بمحاولة نسف مفاوضات الدوحة وتفضيله خيار الحرب وأن يحيد عن طريق التفاوض ويستعد لمواصلة الصراع المسلح في دارفور، ولو كانت ليبيا حريصة على علاقاتها مع السودان والسودانيين لكفت يدها عنهم ولمنعت اللعب بالنار، فلا يمكن أن يكون عمر النظام الليبي كله عداء للشعوب وتورُّط مستمر وتدخل في الشؤون الداخلية للدول، ودعم متمرديها، فالمعروف أنه في النهاية تدور على الباغي الدوائر .! نقلا عن صحيفة الإنتباهة السودانية 23/6/2010م