كعادتها في كل محطة توتر مع أي طرف ، حفلت وسائل الإعلام الرسمية المصرية خلال الأيام الماضية بوصلات مميزة من الهجوم على حركة حماس وقادتها ورموزها وسياساتها ، على خلفية حوار صحفي مع صحيفة "المصري اليوم" أجراه القيادي في الحركة محمود الزهار. في الحوار سُئل الزهار عن وجود بعض المنشورات في مساجد ذات علاقة بحماس تهاجم مصر ووزير خارجيتها فرد قائلا: "نحن نبذل مجهودا كبيرا في توعية الناس ، لكن المشكلة أن الملف الفلسطيني ليس في يد وزارة الخارجية المصرية ، بل في يد أجهزة أخرى ، وفي الحقيقة يفاجئنا الوزير المصري أحمد أبو الغيط بتصريحات تستفز الناس كثيرا ، ولذا يحدث هجوم عليه ، لكن تعاملنا الأساسي مع جهاز المخابرات وعلاقتنا به جيدة". هذه هي العبارة التي ردّ عليها بعصبية الناطق باسم الخارجية المصرية ، ما جعل رده إشارة هجوم لوسائل الإعلام التي لم تقصر بحق الحركة. واللافت بالطبع أن الزهار هو الأكثر قبولا عند الدوائر المصرية بين قادة حماس ، وهو برأيها ليس من مجموعة دمشق التي ترتبط بسوريا وإيران بحسب الكلام التقليدي للمسؤولين المصريين والإعلام المصري. في الظاهر ، تبدو هذه الفقرة من كلام الزهار هي سبب المشكلة لأن المسؤولين المصريين لم يركزوا على شيء سواها ، لا سيما أن ما تبقى من الحوار كان من اللون العادي الذي يكرره قادة حماس بشكل دائم ، تحديدا ذلك الجزء المتعلق بورقة المصالحة وما طرأ عليها من تعديلات ، وكذلك قضية معبر رفح. كل ذلك لا يغير في حقيقة أن التوتر الذي يشوب العلاقة بين حماس ومصر لا يمكن حشره في تصريح بعينه لم يكشف سرا في واقع الحال ، إذ أن كل المعنيين بالوضع الفلسطيني يعرفون أن أحمد أبو الغيط لا صلة له بملف قطاع غزة والعلاقة مع حركة حماس ، وأنه كان ولا يزال محتكرا من قبل مدير المخابرات المصرية عمر سليمان ومساعديه. واقع الحال أن القيادة المصرية تجد نفسها في ورطة هذا الملف المعقد الذي يحدد بدوره نمط علاقتها بالولايات المتحدة. وفي حين تطلب الأولى رضا الثانية لاعتبارات الإبقاء على الوضع القائم في العلاقة مع قوى المعارضة ، فإن عليها دفع الثمن من هذا الملف الذي يتعلق بدوره بالأمن القومي المصري. لم تقصر القيادة المصرية في حربها مع حركة حماس و"إمارتها الظلامية" في قطاع غزة ، كما لم تقصر في دعم ما يجري في الضفة الغربية رغم مخالفته لعموم مقاربتها للقضية الفلسطينية ، وكل ذلك بعد تمريرها لقتل ياسر عرفات ونقل الخلافة إلى من وقفوا ضده وتآمروا عليه. ولم يكن ذلك كل شيء ، فنتنياهو لا زال يزور القاهرة بين حين وآخر من دون أن يغير شيئا في مواقفه. في هذه الأثناء تتحرك تركيا نحو مقاربة جديدة في تعاملها مع الملف الفلسطيني ، بينما لا ترد القاهرة بما يكفي على عبث تل أبيب بمصير مياه النيل عبر علاقتها مع الأفارقة ، فضلا عن أن ترد على سعار الاستيطان وتهويد القدس ، مع استمرار حصارها لقطاع غزة. ذنب حماس في هذا الذي يجري أنها تساهم في فضحه على رؤوس الأشهاد ، عبر رفضها المصالحة المصممة لإقصائها وإخراجها من الباب الذي دخلت منه ، والرامية إلى ضم القطاع بعد الضفة الغربية إلى مشروع "السلام الاقتصادي" لصاحبه نتنياهو ، وكذلك عبر إصرارها على فك الحصار عن القطاع ودعوة العرب والمسلمين وسواهم إلى المساهمة في ذلك. والخلاصة أن استسلام حماس يمكن أن يحل هذه العقدة الأخيرة ، أعني عقدة الإحراج أمام الداخل والخارج ، حتى لو أودى بالقضية برمتها ، وتبعا لها الأمن القومي المصري ، وحتى لو لم يفعل شيئا لوضع داخلي يتراكم سخطه يوما إثر آخر. وما دامت الحركة ترفض الاستسلام ، فلا مناص من استمرار الحرب عليها بكل الوسائل: المنظورة منها وغير المنظورة. المصدر: الدستور 30/6/2010