طالب عدد من نواب مجلس الشيوخ الأمريكي (الكونغرس) الرئيس الأمريكي باراك أوباما بوضع السودان في مقدمة محادثاته مع الرئيس الصيني (هوجنتاو). وقال خطاب موجزه من (44) عضواً بالكونغرس للرئيس أوباما ان عليه أن يضغط على الرئيس الصيني لتوقف بلاده دعمها العسكري الذي يشجّع الخرطوم – بحسب الخطاب – على ممارسة الإبادة الجماعية في دارفور!! وقد كان أبرز الموقعين على الخطاب كل من (فرانك وولف) و(استيفن روثمان) وهما من غلاة المتشددين في الكونغرس تجاه السودان ويعتقد أنهم مدفوعين من منظمات صهيونية لا تزال تستثمر في الأزمة الدارفورية. ولعل الأمر الملفت في هذا الخطاب، أن الصيغة التي تضمّنها يمكن وصفها بأنها صيغة (متخفية) بالية وقديمة، وبوسع أي متابع للشأن الدارفوري أن يستغرب إعادة الحديث عن الإبادة الجماعية بعد ما تجاوزها الزمن وطمرتها رياح الأحداث، اذ أننا حتى ولو افترضنا جدلاً أن الصين تدعم السودان فإن الدعم الصيني – البادي وظاهر للعيان ويصعب اخفاؤه – هو دعم في المجالات الاقتصادية (البترول والطرق والجسور) وهو عمل تنموي بالدرجة الأولى لا شأن له بإبادة جماعية أو غير جماعية في إقليم دارفور ويستحيل تماماً اذا تحرينا الموضوعية المجردة أن نتصور قيام دولة مثل الصين معروفة على النطاق العالمي بأنها تعمل في المجال التنموي والتعاون الاقتصادي، بدعم السودان بمشروعات اقتصادية وتنموية وفي ذات الوقت تزويده بالسلاح لتستخدمه الحكومة السودانية في دارفور أو في غير دارفور – فلا الاقتصاد الصيني ولا الاقتصاد السوداني يتحملان هذا الوضع المزدوج الباهظ الكلفة، ولعل واشنطن بتجاربها وخبراتها كدولة عظمى تعلم هذه الحقيقة البديهية وتعلم مقدار المصالح الصينية المرتبطة بالولايات المتحدة وقضية الدولة الاولى بالرعاية، وقد كان من المفترض أن يكون أعضاء الكونغرس الموقعين على الخطاب هم الأدرى – بحكم طبيعة عملهم ومناصبهم – بهذه الحقائق حتى ولو كان دافعهم الغرض واستعداء واشنطن على كل من الخرطوم وبكين. أما الحديث عن الإبادة الجماعية فهو مدهش لأن محكمة الجنايات الدولية نفسها التي وضع أمامها مدعيها العام أرتالاً من الأوراق والتقارير التي سماها أدلة على وجود إبادة جماعية في دارفور، لم تصل إلى قناعة بوجود إبادة جماعية في دارفور ولهذا رفضت – ضمن قرارها الذي صدر في الرابع من مارس (آذار) الماضي توجيه تهمة الابادة الجماعية الى الرئيس السوداني فيا ترى هل لدى هؤلاء الأعضاء المحترمين ما يفوق الأدلة التي بحوزة محكمة الجنايات؟ بل لا نذهب بعيداً، فالموفد الأمريكي الخاص الى السودان سكوت غرايشن قال في أكثر من تصريح وأكثر من محفل إن واشنطن لا تعتقد بوقوع ابادة جماعية في دارفور!! ان من السهل – إزاء هذه الحقائق – أن ندرك ما وراء هذا التحرك والضغط الذي تمارسه (حفنة) من النواب الأميريكيين على الرئيس أوباما ولكن حتى مع تصورنا لطبيعة هذا التحرك التآمري لم نكن نتصور أن يكون بهذه الدرجة من السطحية وخداع النفس!!