على الرغم من أن المأخذ الرئيسي الذي يؤخذ الآن على قادة الحركة الشعبية أنها تسعى – وبما يخالف الخلق السياسي القويم – لدفع مواطني الجنوب للتصويت للإنفصال، مع أن اتفاق السلام يلزمها بالدعوة للوحدة أو التزام الصمت، الاّ أنه ومع كل ذلك فإن رهان الحركة على قبول كافة المواطنين الجنوبيين لهذه الدعوة الصريحة للانفصال ليس رهاناً مضموناً. فمن جانب، فإن الجنوب لم يعد كما كان قبل سنوات بوسع الحركة إحكام السيطرة على مواطنيه وليس أدل على ذلك من تنامي مظاهر التمرد العسكري (أطور وقلواك) والكم المقدر من جنود الجيش الشعبي المنضوين تحت لواءهما واستحالة استمالتهم بسهولة بدون ثمن سياسي باهظ لا تستطيع الحركة الشعبية دفعه، كما أن الحركة وبسبب سوء ادارتها للاقليم في السنوات الخمس الماضية تجاهلت قبائلاً مهمة، وتخلت عن قبائل واستعدت أخرى، وخلقت توترات وضغائن لدى قبائل أخرى ومن ثم صار من السهل على أي مجموعة أن تمضي باتجاه غير ما تريده الحركة وقد شهدنا كيف بدأت تنهال المذكرات السياسية منذ الآن على زعيم الحركة من قبائل ومجموعات تشكو فيها التهميش والحركة – لأسباب خاصة بها – لا تستطيع الوفاء بشئ لهذه القبائل. أما في الشمال وحيث توجد أعداداً غير قليلة من المواطنين المنحدرين من أصول جنوبية ويتمتعون بحق التصويت فإن النتيجة – منطقياً – تبدو في اتجاه اختيار هؤلاء للوحدة فهم ومنذ توقف الحرب في الجنوب لم يبارحوا الشمال قط وبعضهم عاد ثم قفل راجعاً بسرعة، بعد أن رأى وشهد كيف تجري الامور في الاقليم حيث يتحكم الجيش الشعبي – بتطرف شديد – في الامساك بمفاصل الاقليم وحيث يصعب الحصول على عمل أو استثمار أو انشاء مصانع أو أعمال تنموية. هؤلاء المواطنين الجنوبيين الذين قد تصل أعدادهم إلى أكثر من مليوني مواطن جنوبي لن تكون لهم مصلحة من أي نوع في التصويت لصالح انشاء دولة جنوبية لا يرغبون في الاقامة فيها أو حمل جنسيتها يشعرون بانتماء حقيقي لها. وبوسعنا أن ندلل على أمر يبدو أنه فات على قيادة الحركة الشعبية في الاستحقاق الانتخابي الذي جرى في إبريل الماضي، اذ بحسب النتائج المعلنة من مفوضية الإنتخابات فإن المرشح الرئاسي للحركة ياسر عرمان الذي جرى سحبه من السباق الرئاسي – في آخر لحظة – حصل على أصوات كثيرة رغم انسحابه مما يدل على أن الذين صوتوا له من منسوبي الحركة (خالفوا ومع سبق الاصرار) توجيهات قيادة الحركة التي كانت قد أمرتهم بعدم التصويت له بعد سحبه. هذه كلها مؤشرات دالة على أن تحكم الحركة الشعبية في ارادة الناخبين الجنوبيين غير مضمون البتة خاصة وأن الأمر الذي هم بصدده الآن يرتبط بمستقبلهم وقرارهم سيكون مصيرياً وأبدياً لا مجال فيه للتراجع ولن تجدي معه الحسرة والندم. إذن تعويل الحركة على تعبئة الرأي العام الجنوبي للتصويت للإنفصال لا يبدو بحال من الأحوال أمراً سهلاً أو ممكناً وهذا ما يقتضي أن تعيد الحركة حساباتها جيداً!!