بدت كتلة التجمع الوطني البرلمانية متناقضة تماماً مع نفسها وهي تقرر الانسحاب من جلسة البرلمان التي شهدت اجازة قانون استفتاء جنوب السودان لسنة 2009م بحجة أن اجازة القانون عمل علي تكريس ما وصفوه بالانفصال الجاذب! ففي المرة الاولي، حين أجيز القانون- بالتعديل الطفيف الذي أجراه البرلمان علي الفقرة (3) من نص المادة (27) من القانون، فان كتلة التجمع الوطني، التي عادة ما تناصر الحركة الشعبية (ظالمة أو مظلومة)، ركبت ذات موجة الحركة الشعبية في الهياج والصياح والزعم بأن اجازة القانون بالأغلبية الميكانيكية فيه ديكتاتورية واضرار باتفاق نيفاشا. وقد كان التعديل الطفيف والذي في حقيقته كان مجرد احكام قانوني جيد للصياغة بحذف كلمة (لا) من الفقرة (3) من النص، بحيث يكون للمواطن الجنوبي المنحدرة أصوله من جنوب السودان، ثم غادره الحق في ممارسة حقه خارج الاقليم دون أن يلزم بضرورة تكبد المشاق للعودة للاقليم للتسجيل والاقتراع، كان هذا التعديل لصالح ايجاد قانون (متوازن) يفي بالحاجة ويوائم ما بين حقوق المواطنين الجنوبيين عامة. وقد كان بوسع كتلة التجميع حينها، ان كان لها (خاطر) لدي الحركة أو تملك (وزناً) في ميزان الحركة أن تسعي لاقناع كتلة الحركة بشتي السبل بصحة وواقعية نص المادة المذكورة، ولكن كتلة التجمع اثرت مسايرة الحركة والسير وراءها عمياء صماء، وهي أصلاً تعاني (غبناً) قديماً جراء اجازة قانون الامن الوطني سنة 2009م والذي اكتفت الحركة بالتصويت ضده ولم يؤثر التصويت ضده كما يكن ليتأثر الموقف بالانسحاب- الان قررت كتلة التجمع الانسحاب من الجلسة غاضبة بسبب ما وصفه أحد أعضاءها أن القانون يكرس للانفصال! ولعل مكمن غرابة موقف كتلة التجمع هنا أنها كتلة (لا حول لها ولاقوة)، وبدلاً من أن يكون اسهامها وتحركها في هذا الصدد قائماً علي (الاقناع)، والسعي بين الاطراف (بجدية)، وبمسئولية للتوصل الي قوانين متوازنة، فانها مضت تتصرف وكأنها (كتلة كبيرة) واسعة التأثير وهو ما يخالف واقعها تماماً. ان من الواضح أن كتلة التجمع التي لم تعي بما يجري الا بعد ما حان موعد اسدال الستار، أدركت أن الحركة الشعبية استخدامتها (كمنديل ورق)، وبعض أعضاء كتلة التجمع يريد أن يسجل (براءة تاريخية) من الانفصال القادم، اذ ربما كان هؤلاء يعتقدون أن الحركة طوال الحقبة الماضية كانت تعمل من أجل الوحدة، واكتشفوا الان فقط أن الحركة تتجه نجو فصل اقليمها كما اكتشفوا أن كل المزايدات السياسية التي مارسوها ضد المؤتمر الوطني كانت سهام يطلقونها لترتد علي صدورهم. صحيح ان القانون سعت الي تفصيله علي هذا النحو الحركة الشعبية ليحقق أسمي أمنياتها ولكن المؤتمر الوطني فعل ما في وسعه، بل وأظهر للجميع ما سعي لتحقيقه، ولهذا فان كان هنالك من لوم، فلتقدم كتلة التجمع اللوم- ان استطاعت- الي الحركة الشعبية!!