مع أن الإستحقاق الإنتخابي الذي شهده السودان في أبريل المنصرم قد إنقضى وتم وأصبحت نتائجه واقعاً معاشاً، الاّ أن من الضروري والمهم جداً – عقب إنفصال أكثر من شهرين على هذا الإستحقاق الذي أحدث حراكاً هائلاً لم يشهده السودان من قبل – أن نعيد قراءة مجريات هذا الإستحقاق من حيث إجراءاته، وشفافيته والقواعد التي جرت وكل ذلك من خلال التقارير النهائية من الجهات التي راقبت العملية باعتبارها جهات محايدة أو على الأقل تنتمي لمنظمات مجتمع مدني – داخلياً وخارجياً – لا مصلحة لها في فوز هذا أو ذاك ولكن ما يهمها هو الإجراءات الصحيحة والاستفادة من الأخطاء. وبالطبع تابع العديد من المراقبين تقرير الاتحاد الأوروبي والذي يمكن وصفه بأنه جاء متوازناً متضمناً كل ما هو ايجابي وكل ما هو سالب وكان التقرير موضوعياً من حيث إقرار بأن العملية نفسها كانت معقدة وغير مسبوقة في تاريخ السودان وكأني بسطور التقرير في هذا الصدد (تجد قدراً من العذر) لما جرى من أخطاء وهنّات – وقد كان أكثر ما يلفت النظر في التقرير أنه خلا تماماً من أية اشارة الى وقوع عمليات تزوير في الشمال ولكنه أشار الى أن الإجراءات التي جرت في الجنوب شابتها أمور تقدح في نزاهة العملية مثل تدخلات الجيش الشعبي وطرد بعض المراقبين. وربما هذا بالذات ما يفسر البرود والفتور الواضح الذي قابلت به الأوساط المعارضة في السودان التقرير، فقد تحاشى العديد من قادة القوى السياسية التي أخفقت في الانتخابات الحديث أو التعليق على التقرير لأنه خلا مما كانوا يتهمون به الحكومة السودانية، فقد أشار التقرير إلى أن الاخطاء التي وقعت لم يكن للسلطة الحاكمة علاقة بها، وكانت كل النواحي السالبة مجرد أخطاء وضع التقرير توصيات لمعالجتها مستقبلاً. ويشير تقرير آخر حصلت سفاري على نسخة منه الى ما جرى في انتخابات الجنوب وهو تقرير مماثل لتقرير الاتحاد الأوروبي ولكنه ركز على مراكز اقتراع الجنوب حيث يورد التقرير بالحرف (ان كافة القوى السياسية التي خاضت الانتخابات في الجنوب – بما في ذلك المؤتمر الوطني – أورد مناديبها تقاريراً اتفقت جميعها على أن ما جرى في مراكز الإقتراع بالجنوب لا علاقة لها مطلقاً بالانتخابات). ويمضي التقرير – الذي يضم عدداً من تقارير حوالي (12) حزباً سياسياً غالبها أحزاباً معارضة – لم نشأ التفصيل فيها هنا – إلى القول بأن الجيش الشعبي سيطر تماماً على الإجراءات وجرت عمليات طرد للمراقبين وتم الغاء بعض المراكز!! وجرت عمليات اعتقال وصل بعضها الى حد التعذيب لمرشحين ووكلاء مرشحين وتمت عمليات تصويت (بالإنابة)!! ويشير التقرير الى أن نسبة ال90% التي حصلت عليها الحركة في الجنوب كانت نتيجة محتمة جراء ما فعلته والأدهى وأمر أن هناك إستمارات ملء نتائج جرى ملئها دون الرجوع للصناديق وكلنا يذكر اعلان فوز حاكم ولاية الوحدة تعبان دينق دون الرجوع الى لجنة الانتخابات!! ولعل هذا يذكرنا بما سبق أن قاله الرئيس البشير الذي من المؤكد وصلته هذه التقارير في حينها من أن (الجنوب لم يشهد عملية انتخابات حقيقية وأن المؤتمر الوطني لن يسمح بأن يكون مصير الاستفتاء هو ذات مصير الانتخابات)!!