يحرص الأشقاء في مصر علي ايراد أمثلتهم الشعبية باصرار في كل اعمالهم الدرامية بحيث امتزجت هذه الأمثال بالواقع وسادت في المحيط القريب من مصر ومن ثم أصبح من الممكن استخدام هذه الأمثلة حجة عليهم . فالمثل السائر الذي يقول (الحق ما يزعلش) واحد من أكثر الأمثال المصرية تداولاً وفيه (دلالة حقوقية) بالغة العمق علي اعتبار ان عنصر الحق جدير بالاحترام في حد ذاته بصرف النظر عن المشاعر والرضاء والقبول. وقد حاول بعض الاعلاميين وبعض المسئولين في الشقيقة مصر – الاسبوع الماضي – التقليل من تصريحات أطلقها الرئيس السوداني المشير البشير في لقاء جماهيري في البحر الاحمر بشأن تبعية مثلث حلايب للسودان بقوله (ان حلايب سودانية) . الجانب المصري أثارته – الي درجة الحنق والغضي العارم- تصريحات الرئيس البشير وتكمن غرابة هذا الموقف المصري في أن المثلث المعني علي ايه حال هو محل نزاع بين البلدين لم يتم حسم تبعيته لأي طرف منها حتي الان سواء عبر تحكيم أو تفاوض ثنائي مباشر ومن ثم وفي ظل هذا الواقع فان من حق أي طرف من الطرفين – والي حين ايلولة المثلث لأحدهما – أن يدعي أحقيته بالمثلث فما الذي يجعل الادعاء المصري مقبولاً والادعاء السوداني غير مقبول؟ بل ان الاخوة في مصر لم يكتفوا بمجرد الادعاء ولكنهم شرعوا منذ سنوات – وفي سلوك يجافي علاقات حسن الجوار- في فرض سياسة الامر الواقع بالقوة باجراء تغييرات وانشاء منشأت كان بوسع السودان أن يواجهها بأمر مماثل ولكنه تسلح بقدر عالي جداً من ضبط النفس – بل ان مقترح جعل المثلث (منطقة تكامل) كان اقتراحاً سودانياً علي طريقة التسامح علي الرغم من أن الطرفين لا مانع لديهما من أن تصبح المنطقة منطقة تكامل فان هذا – بداهة- لا ينفي حق الملكية اذ أن حق الملكية – كحق قانوني شئ – والتنازل عنه أو اجراء تسوية بشانه شئ اخر وهذا كله لم يكن يشغل بال السودان الذي لن يضيره أن يمنح منحة من أي نوع لجارته الشقيقة مصر. ولهذا فان غضب الجانب المصري في الواقع غير مبرر علي الاطلاق بل قد يعني هذا الغضب – وهذا ما بدأ يفهمه الشعب السوداني – أن مصر تمارس تعالياً سياسياً علي السودان وتستهين بوزنه وبحقوقه وان الجارة الشقيقة (تزعل من الحق). ان مثل هذا السلوك هو الذي يرفضه السودان وهو ما بدأ يدفع الكثيرين نحو التفكير في اجراء تحكيم دولي بشأن المثلث لحسم النزاع نهائياً مخافة أن يتسبب النزاع في المساس بعلاقات البلدين التي ثبت أن الجانب المصري – للاسف الشديد- ليس حريصاً علي أن تظل قوية وراسخة الا بقدر ما يتحقق لمصر من (مصالح خاصة)! ومن المهم هنا أن نشير الي أن الاخوة في مصر درجوا علي احترام تصريحات رؤسائهم وعدم التعرض لشخص الرئيس مبارك فيما يقوله لأنه – باعتقادهم وهم طبعاً محقين في ذلك – يمثل رمزاً لسيادتهم وعلي ذلك فان من باب التطاول والتخلي عن هذا العرف العريق لديهم التعرض لتصريحات الرئيس البشير فهذا لا يخدم بأي حال قضية الجوار الأخوي والعمق الاستراتيجي بين البلدين.