لو لم يكن هنالك ما يصح أن نسميه (تعالياً) غير مبرر و(سوء نية) بائن لدى بعض وسائل الإعلام المصرية وبعض المسؤولين هناك تجاه السودان، لما أثاروا ما أثاروه من انتقادات غير مقبولة على الاطلاق بشأن تصريحات الرئيس السوداني الخاصة بكون حلايب سودانية. فالرئيس البشير (المنتخب انتخاباً شرعياً من الجماهيرية السودانية) كان يتحدث باسم من انتخبوه حين قال ان حلايب سودانية ولم يكن يمارس مزايدة سياسية، ولا اطلاقاً للقول على عواهنه. ولئن رأي الجانب المصري أن هذه التصريحات غير موفقة، فإننا يحق لنا أن نتساءل أيضاً عما اذا كانت عملية الاحلال والابدال والتغييرات على الارض التي يقوم بها الجانب المصري في مثلث حلايب (لفرض سياسة الأمر الواقع) عملاً موفقاً؟! ذلك أن المنطق هنا مختل تماماً لأن المثلث – على أقل تقدير – فيه نزاع بين البلدين. وبطبيعة الحال – وفي أي نزاع – فإن من حق كل طرف أن يدعي احقيته بالشئ المتنازع عليه والفارق هنا الذي يظهر (تعالي) الجانب المصري هو أن السودان التزم بضبط النفس وتسلح بفضيلة (الصبر والتسامح) في حين مضى الجانب المصري – وباصرار – في (مصرنة المثلث)!! وقد كان الشئ المتوقع اذا توافر عنصر حسن النية، أن (يحترم) الجانب المصري النزاع ويكف عن عمليات تغيير الواقع الجاري على قدم وساق حتى يأتي الى طاولة النقاش حول المثلث (بأيدي نظيفة) فالأمر هنا شبيه بمن ينازع جاره في متاع، ويستحوذ هو على المتاع ويفرض سيطرته عليه تماماً ثم يمنع المنزوع عنه المتاع من مجرد القول أن المتاع المسلوب يخصه!! ويستنكر عليه مجرد القول!! وحتى لو كانت الشقيقة مصر تقول أن المثلث (منطقة تكامل) بين البلدين، فإن التكامل – كما يعرفه حتى البسطاء والسذج – لا يعني وضع اليد (من طرف واحد) فمع من يتم التكامل اذا كانت الارض بكاملها تحت يد جانب واحد؟! هل تتكامل الشقيقة مصر مع نفسها؟! ان السودان حين يقول ان حلايب سودانية يقول ذلك من منطلقات قانونية له كل الحق فيه بمثلما تزعم مصر وتفعل ما تفعل وترى أن لها الحق فيما تفعل. وقد كان من الطبيعي أن نقر للشقيقة مصر بحقها في المثلث لو أن النزاع جرى حسمه بأي آلية كانت ولكن هذا لم يتم حتى الآن، وقضية التكامل التي تتحدث عنها مصر تفيد (بحق الطرفين) في المثلث، فلماذا (تحلّل) مصر لنفسها هذا التكامل وتحرمه على السودان؟ لقد أثار الاخوة في شمال الوادي معركة في غير معترك غير عابئين بعمقهم الاستراتيجي في السودان والشئ الغريب حقاً أن مصر لا تظهر على شاشة (البث السياسي) في السودان الا حين تثور مخاوفها بشأن مصلحة ما من مصالحها الخاصة، أما فيما عدا ذلك فهي بعيدة بقلبها وعقلها عن جارها السودان، وتلك لعمري احدى أسوأ مواقف الجارة الشقيقة!!