في ذات التوقيت الذي عكف فيه شريكا الحكم واتفاق السلام الشامل في السودان – الوطني والحركة – في مشاورات مكثفة بغرض وضع افضل المعالجات الممكنة لمرحلة ما بعد استفتاء يناير 2010م، الذي ربما حافظ على وحدة السودان، أو صنع دولة جديرة في إقليمه الجنوبي فإن الحركة الشعبية – وبالمخالفة لروح ومناخ المشاورات – والتي تقتضي بطبيعتها روحاً وفاقية هادئة وإعمالاً للعقل والرزانة لأن ما سيحدث ستترتب عليه آثاراً بعيدة المدى وشديدة الأثر. قامت بتسيير مظاهرة في الجنوب – إختارت لها فيما يبدو التزامن مع انعقاد اجتماعات المشاورات، تطالب بالانفصال أو كما يحلو لغلاة قادة الحركة تسميته بالاستقلال. ولئن زعم بعض قادة الحركة بالمنطق المعوج المعروف عنهم أن المظاهرة بمثابة عمل ديمقراطي ومظهر من مظاهر الحرية، فإن القاصي والداني يعلم أن الحركة الشعبية لم تضع بعد في قاموسها السياسي مصطلحات الديمقراطية والحرية وليس أدلّ على ذلك من روح التمرد العسكري والسياسي المتنامية هناك سواء تمرد الجنرال (جورج أطور)، بسبب انعدام الشفافية في الانتخابات التي جرت كما قال ولا يزال يقول ويصر على الغاء نتيجة الانتخابات أو غضب أنجيلا نانتج القيادية بالحركة وعقيلة د. رياك مشار نائب رئيس الحركة التي قطعت بأن الانتخابات التي جرت في ولاية الوحدة وفاز فيها (بالقوة) العميد تعبان دينق المعروف بغلظته السياسية والمكروه – إجماعاً – بين قادة الحركة في الولاية ومواطنيها مزورة واصرار أنجيلا على غياب الحريات والشفافية، أو في شكاوي حركة التغيير الديمقراطي التي يتزعمها د. لام أكول والذي اضطر – كما هو معروف – تحت ضغط الملاحقات والتضييق الذي مورس عليه للجوء الى المحكمة الدستورية لتصدر قراراً تمكنه فيه بممارسة أنشطته السياسية باعتباره حزباً سياسياً مسجلاً وفقاً للقانون وله حقوق كفلها له الدستور والقانون. هذا بخلاف ما جرى ويجري في قطاع الشمال نفسه والذي وصل أخيراً لمرحلة الكساح والقعود التام. كل هذا يشير الى أن الحركة الشعبية – دون أدنى شك – لا تعرف مطلقاً عبارة اسمها الممارسة الديمقراطية وتسود خشية عارمة الآن من المواطنين الجنوبيين والقوى السياسية في الجنوب من انفراد الحركة بحكم دولة جنوبية مستقلة، حيث تغيب الحريات وتسود أحكام القبضة الحديدية. اذن لا تفسير للمظاهرة التي تُعد حتى الآن الثانية من نوعها سوى أن الحركة في الواقع (تتظاهر) بالممارسة الديمقراطية وتخادع نفسها بذلك ظناً منها أن ذلك قد يفضي لتشكيل ضغط على الدولة السودانية فتتسلم للانفصال. ان الشمال، وباخلاص كامل عمل على نزع كافة الأصوات ذات الطابع الانفصالي – رغم المناخ الديمقراطي السائد – واعتبرت الحكومة المركزية أن الدعوة والترويج للانفصال عمل يتنافى مع الدستور المأخوذ عن اتفاقية السلام، فلماذا لا تقف الحركة ذات الموقف؟ ان ازدواجية المواقف التي أدمنتها الحركة بلعب دورين في وقت واحد ما عادت تنطلي على أحد. ولم يعد في الوقت متسع للتلاعب بمستقبل بلد تناوشته الجراح لعقود خلت، ومن المهم أن تتحلى الحركة بأقصى درجات المسؤولية الوطنية لأن سطور التاريخ لا ترحم!