بقدر ما ظلت الحركة الشعبية تعيق وتعرقل مسيرة البناء الوطني في السودان بقدر ما ظل المراقبين يتساءلون عن أهداف الحركة من وراء تصرفات كهذي لا تخدمها هي في المقام الأول ولا تخدم قضية البناء الوطني ولا تراعي لا المصلحة الخاصة بجنوب السودان ولا المصلحة العليا للسودان كله. ففي بحر الأسبوع المنصرم ومنتصف الأسبوع الذي سبقه قاطعت الحركة الشعبية البرلمان احتجاجاً منها علي ما أسمته تباطؤ في إجازة القوانين وعدم إلغاء ما درجت علي تسميته بالقوانين المقيدة للحريات, وطعنها في قانون الأمن الوطني, ولم تكتف الحركة بذلك وإنما قاطعت حتي قانون الموازنة العامة للدولة للعام المقبل 2010 عند وضعه علي طاولة مجلس الوزراء السوداني كمرحلة أولي قبل الدفع بالموازنة إلي البرلمان. الحركة تصرفت علي هذا النحو في وقت حرج وفي منعطف خطير حيث يجري الإعداد والتحضير للانتخابات العامة وهي انتخابات معلن عنها ومعروفه منذ أكثر من أربعة أعوام, أي منذ انعقاد اتفاق السلام وإبرامه في الضاحية الكينية نيقاشا في شتاء العام 2005, كما أن الحركة هدفت إلي إشاعة مناخ من عدم الاستقرار, وإثارة بلبلة في الساحة السياسية وكان مفهوما أنها تفعل ذلك عسي ولعل أن تتعرقل الانتخابات المرتقبة. ولكي تزيد النار اشتعالاً, فقد أعادت طعنها في نتيجة الإحصاء السكاني الخامس, ولوح زعيمها من كنيسة في جوبا بالعودة إلي الانفصال في مقولة بالغة العنصرية وسيئة الصيت وصف فيها تصويت الجنوبيين لصالح الوحدة بأنه سيكون تصويت لأن يصبح المواطن الجنوبي مواطنا من الدرجة الثانية! لقد كان هذا كله بعدما وضحت بجلاء مالات فشل مقررات مؤتمر جوبا والذي حوي (تهديدات) للحكومة السودانية لم يتم الإفصاح عنها ولكن تبين أنها تهديدات جوفاء حيث لا يصلح المناخ القائم الآن لإثارة ثورة شعبية ضد حكومة وحدة وطنية انتقالية تجري تحضيرا لانتخابات عامة طال انتظار القوي السياسية والعالم لها. هذه المواقف الخلاصة التي أفرزتها علي قدر واضح من البساطة وهي إن الحركة الشعبية (غير مسئولة), ونحن حين نقول ذلك لا نغني التقليل من شأن الحركة أو ذمها لمجرد الذم أو تفضيل قوي سياسية أخري عليها ولكننا نقول ذلك ونحن ننظر إلي المصلحة العليا للبلاد, إذ أن البلاد تحتاج في هذا الوقت إلي قدر من الاستقرار يعزز من التحول الديمقراطي الجاري فيها ويتيح مناخ العمل الديمقراطي. وبالطبع فان المقاطعات, والإضرابات والخروج عن القواعد والتقاليد الديمقراطية ليس من الديمقراطية في شي ومن ثم فهو عمل سالب يقع ضمن نطاق العمل غير المسئول, لأن الحركة التي رضيت بالشراكة السياسية, ورضيت بالنسب المقررة لها في السلطة والثروة وتعلم أن هنالك انتخابات تسبق الاستفتاء كان بوسعها الاستعداد لهذه الاستحقاقات السياسية منذ أربعة أعوام, وحتي لو أرادت ( اللعب) مع القوي المعارضة, واللعب علي الجبلين فان وسيلتها إلي ذلك بنبغي ألا تفارق الممارسة الديمقراطية والالتزام بالقواعد المتعارف عليها ديمقراطياً. إن ما لاح من بوادر توافق بين الحركة والمؤتمر الوطني- بتدخل من جانب الموفد الأمريكي الخاص إلي السودان سكوت غرايشن- وان بدا حلا للأزمة إلا أنه في جانبه الأخر إظهار لعجز الحركة وضعفها وعدم مقدرتها علي (حل مشاكلها) إلا بالاستعانة بمن هم في الخارج والأدهى وأمر أن هذه النتيجة, هي وحدها كافية لإثارة الشك حول أهلية الحركة في إدارة السودان أو حتي إدارة جنوب السودان بما يضمن استقلاله ورفاهيته طالما أنها بهذا القدر من عدم المسئولية والضعف .