تستند الحركة الشعبية عادة في أطروحاتها الإنفصالية على أن الطرف الآخر – الحزب الوطني – لم يعمل في الفترة الماضية على جعل الوحدة جاذبة، وبالطبع دون الإفصاح صراحة عن ماهية ما يلزم فعله لجعل الوحدة جاذبة. من جانبه يقول الحزب الوطني أن الحركة الشعبية يقع عليها التزام – بنص اتفاقية السلام الشامل لع2005ام – بجعل الوحدة جاذبة والعمل على ترسيخها، ويطول الجدل ويشتد بين الطرفين في هذا الصدد. ولكن لسنا الآن بصدد الحديث عن جعل الوحدة جاذبة والطرف الملزم بها، فهذا الأمر وإن كان محسوماً بنصوص الاتفاقية – كونه جعله التزاماً يقع على الطرفين – إلاّ أنه لا يزال مثار جدل وهو جدل في اعتقادنا بلا طائل. ولكننا بصدد الحديث - من على الجهة المقابلة – أي الجهة الأخرى التي يجري فيها عمل (مناهض) للوحدة و(جاذبة للإنفصال)! فالذي يتقاعس عن التزام جعل الوحدة جاذبة ربما يكون مقصراً أو مفرّطاً فيها، ولكن بالقطع ان الذي يعمل (ضد الوحدة) ويتحرى الانفصال باصرار يصبح كمن يرتكب جرماً وطنياً كبيراً. وقد حاولنا تتبع العديد من أنشطة الحركة الشعبية في الفترة الماضية للوقوف على ما لاحظناه من تحركات انفصالية – واقتصر بحثنا فقط على العامين المنصرمين، لأن بقية الأعوام التي سبقتهما يصعب فيها الحصر والمجال لا يتسع لها. ففي 31/7/2008 مثلاً وكما يذكر كل متابع – وقد ورد ذلك في الصحف ووسائل الاعلام المحلية والدولية – شرّف زعيم الحركة الفريق كير احتفالات الكنيسة الكاثولوكية التي كانت تحتفل باليوبيل الفضي (مرور 25 عاماً) على تنصيب المطران (باولينو لوكودو) رئيساً للمطرانية وكان بصحبة زعيم الحركة عدد من كبار مسؤولي حكومة الجنوب وقد تحدث المطران باولو وأفاض عن (ضرورات الانفصال) ودعا لأن (يبارك الله قرار شعب جنوب السودان بالانفصال)! وأعقبه الفريق كير داعماً وشاكراً للمطران وداعياً له للعمل على المزيد من التوعية بالاستفتاء. وفي 19/8/2008م – أي بعد أقل من شهر احتفلت حكومة شرق الاستوائية بتمرد ع1955ام وتحدث فيه ممثل حكومة الولاية (أتوس امور) واصفاً تمرد 1955 بالثورة ضد الاستعمار الداخلي بواسطة التجار الشماليين العرب!! وأطلق على التمرد (يوم التحرر من الاستعمار العربي). وفي 1/12/2008 وفي مدينة (كاجو كاجي) تحدث الفريق كير – ضمن زيارة له – عن ظلم الشمال للجنوب خاصة في البترول وأن الاستفتاء سيحسم هذا الظلم وعلى الجنوبيين التصويت لرفع الظلم عنهم وفي اليوم التالي 2/12/2008 زار الفريق كير مدينة (ياي) وقال صراحة (اذا اردتم أن يسرقوا بترولكمن وأراضيكم وتعيشوا متخلفين صوتوا للوحدة)! وتكرر ذات الحديث في 19/12/2008 في توريت حيث دعا الفريق كير الجنوبيين للاستعداد للحرب من أجل انتزاع حقوقهم! وقبل أيام فقط وفي 28/6/2010 دعت أرملة الراحل قرنق ربيكا للتصويت للاستقلال وقبلها في ذات الشهر سارت عدد من المسيرات بدعم وتصريح من حكومة الجنوب تطالب بالاستقلال. ان هذه الشذرات التي اقتطفناها من أحداث جرت فقط في العامين المنصرمين تكفي وحدها للتدليل على ما يمكن أن نطلق عليه نشاط انفصالي صريح تقوم به الحركة الشعبية دعك من العمل على جعل الوحدة جاذبة. وبالمقابل فإن من الصعب رصد أنشطة مماثلة من الجانب الآخر أي الحزب الوطني تدعو الانفصال مما يثير تساؤلاً جوهرياً حول ما اذا كان جعل الوحدة جاذبة يستتبع عملاً مخلصاً أم أنه قد تحول لدى الحركة الى عمل انفصالي صريح؟!