مجلس الأمن يعبر عن قلقله إزاء هجوم وشيك في شمال دارفور    أهلي القرون مالوش حل    مالك عقار – نائب رئيس مجلس السيادة الإنتقالي يلتقي السيدة هزار عبدالرسول وزير الشباب والرياض المكلف    وفاة وزير الدفاع السوداني الأسبق    بعد رسالة أبوظبي.. السودان يتوجه إلى مجلس الأمن بسبب "عدوان الإمارات"    السودان..البرهان يصدر قراراً    محمد صلاح تشاجر مع كلوب .. ليفربول يتعادل مع وست هام    أزمة لبنان.. و«فائض» ميزان المدفوعات    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا "أدروب" يوجه رسالة للسودانيين "الجنقو" الذين دخلوا مصر عن طريق التهريب (يا جماعة ما تعملوا العمائل البطالة دي وان شاء الله ترجعوا السودان)    شاهد بالفيديو.. خلال إحتفالية بمناسبة زواجها.. الفنانة مروة الدولية تغني وسط صديقاتها وتتفاعل بشكل هستيري رداً على تعليقات الجمهور بأن زوجها يصغرها سناً (ناس الفيس مالهم ديل حرقهم)    اجتماع بين وزير الصحة الاتحادي وممثل اليونسيف بالسودان    شاهد بالفيديو.. قائد الدعم السريع بولاية الجزيرة أبو عاقلة كيكل يكشف تفاصيل مقتل شقيقه على يد صديقه المقرب ويؤكد: (نعلن عفونا عن القاتل لوجه الله تعالى)    محمد الطيب كبور يكتب: السيد المريخ سلام !!    حملات شعبية لمقاطعة السلع الغذائية في مصر.. هل تنجح في خفض الأسعار؟    استهداف مطار مروي والفرقة19 توضح    لماذا لم تعلق بكين على حظر تيك توك؟    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    ب 4 نقاط.. ريال مدريد يلامس اللقب 36    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أحمد السقا ينفي انفصاله عن زوجته مها الصغير: حياتنا مستقرة ولا يمكن ننفصل    بايدن يؤكد استعداده لمناظرة ترامب    الأهلي يعود من الموت ليسحق مازيمبي ويصعد لنهائي الأبطال    صلاح في مرمى الانتقادات بعد تراجع حظوظ ليفربول بالتتويج    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    (المريخاب تقتلهم الشللية والتنافر والتتطاحن!!؟؟    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاستفتاء: الحركة الشعبية بين انفصالية مشار المؤكدة ووحدوية سلفا كير المتأرجحة .. بقلم: إمام محمد إمام
نشر في سودانيل يوم 04 - 11 - 2010

أحسب أنه من الضروري لتبيان مواقف كل من سلفا كير ميارديت النائب الأول لرئيس الجمهورية ورئيس حكومة الجنوب ورئيس الحركة الشعبية والدكتور رياك مشار نائب رئيس حكومة الجنوب ورئيس الحركة الشعبية من قضيتي الوحدة والانفصال باعتبار أن هاتين القضيتين هما أُس قضايا استحقاق الاستفتاء على حق تقرير المصير حول جنوب السودان في التاسع من يناير 2011، ضمن متبقيات استحقاقات اتفاقية نيفاشا للسلام. وليس مستغرباً مناقشة موقفهما من الوحدة والانفصال من خلال التصريحات القولية والتأكيدات العملية بالإضافة إلى الخلفية الحركية لهما إبان حربهما التمردية أو مجاهداتهما النضالية ضد الحكومة السودانية في أزمانها المختلفة، وصولاً إلى حقيقة موقفيهما من هاتين القضيتين اللتين أصبحت تداعياتهما هاجساً مخيفاً ومصيراً مجهولاً للسودانيين كلهم جنوباً وشمالاً حتى بدأ بعضهم ليزيح عن يوم الاستفتاء هذا الهم العظيم يصفه تخفيفاً وتضميناً بأنه ليس بيوم جهنم والبعض الآخر يقلل من الوجل الداهم منه بأنه ليس بيوم ينفخ في الصور الذي يثير فزع العالمين واضطرابهم تذكيراً بقول الله تعالى: "وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَن شَاء اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ". فالوحدويون يخشون أن يمزق الانفصال بلادهم تمزيقاً ويفلقها انفلاقاً، بينما الانفصاليون من الجنوبيين يرهبون تبعثر حلمهم وتحطم آمالهم وخُسرانهم المبين إلى يوم الدين.
بدءاً ينبغي عندما نبسط القول في هذا الأمر من خلال هذه العُجالة الإشارة إلى أن الحركة الشعبية لتحرير السودان في بيانها التأسيسي "المانفستو" في عام 1983 أكدت تأكيداً قاطعاً وأوضحت توضيحاً بينّاً أنها حركة وحدوية تختلف في أهدافها وتوجهاتها عن الحركات الجنوبية المتمردة السابقة التي كانت توجهاتها انفصالية تسعى جاهدة إلى تحقيق انفصال الجنوب عن الشمال حرباً أو تفاوضاً. ولكن الحركة الشعبية التي أسمت نفسها بالحركة الشعبية لتحرير السودان جعلت من تحرير السودان مبلغ نضالها، وأسمى شعارها، وغاية أهدافها. فكانت أدبياتها الوحدوية محل ترحيبٍ عند بعض أهل الشمال ومحل تشكيكٍ وريبةٍ عند البعض الآخر، لأن هذا توجه جديد في منازعة بعض الجنوبيين تمرداً للحكومة المركزية أيّاً كانت تلكم الحكومة مدنية أو عسكرية، جاءت انتخاباً أو انقلاباً. وبذلت الحركة الشعبية جهداً مقدراً في تغيير المفاهيم الانفصالية لدى الكثير من أعضائها خاصة المقاتلين الذين كانوا يرون أنهم لن يبذلوا أرواحهم ولن يقدموا تضحياتهم فداءً لتحرير السودان جنوبه وشماله بخلق سودانٍ جديدٍ كما يدعو بيان حركتهم التأسيسي "المانفستو"، ولكن الراحل العقيد جون قرنق زعيم الحركة الشعبية لم يكن يحرص على اقتصار نضال حركته على المشكل الجنوبي بل كان همه تحقيق وحدة السودان بشرائط سودانه الجديد، حيث أكد في طرحه الوحدوي "أن الواجب هو خلق سودان ننتسب له كلنا ورابطة اجتماعية سياسية ننتمي إليها جميعاً وندين لها بالولاء الكامل بغض النظر عن العرق أو الدين أو القبيلة أو الجنس حتى تستطيع المرأة أن تساهم بفعالية". فنلحظ أن "مانفستو" الحركة الشعبية يتحدث عن ضرورة استنهاض همم السودانيين كلهم لانتشال المناطق المهمشة والعمل على تنميتها وتنمية إنسانها. وأحسب ان مصطلح المناطق المهمشة الذي ورد في "مانفستو" الحركة الشعبية لأول مرة أصبح متداولاً إلى يومنا هذا في قاموس السياسة السودانية. هكذا تطرق "مانفستو" الحركة الشعبية إلى هموم بعض مناطق الشمال وجعلها تنداح في هموم الحركة الشعبية لأول مرة في تاريخ حركات التمرد في جنوب السودان. كانت قيادة الحركة الشعبية متمثلة في رئاستها آنذاك وحدوية التوجه بينما كان الكثيرون في الجيش الشعبي لتحرير السودان توجهاتهم انفصالية. ولم يخفِ بعض هؤلاء في بعض المناسبات واللقاءات امتعاضهم واستياءهم من توجهات القيادة الوحدوية، ولكن الراحل العقيد جون قرنق زعيم الحركة الشعبية بشخصيته القوية استطاع أن يتخلص من القيادات العسكرية الانفصالية بأساليب شتى منها المفاصلة وغيرها، ليلتف الكثيرون طوعاً أو انصياعاً حول توجهاته الوحدوية لتكون توجهات حركته أيضاً، ومن بين هؤلاء سلفا كير ميارديت نائب رئيس الحركة الشعبية آنذاك. وأحسب أنه لو لم يُبدِ سلفا كير توجهاً وحدوياً لما تسنم قيادة الجيش الشعبي وأصبح الرجل الثاني في الحركة الشعبية كلها. لذلك لم يكن مستغرباً أن يدعو سلفا كير نفسه بصورةٍ واضحةٍ طوال السنوات الماضية إلى الوحدة الطوعية، ومنها ما قاله بصريح العبارة ووضوح البيان في لقاءات جماهيرية في بعض مدن جنوب السودان إبان حملات الاستحقاقات الانتخابية، منها هتافه الصريح "مؤتمر وطني وييي.. شراكة وييي".. وهكذا رددت الجماهير الجنوبية المحتشدة ذات الهتافات، أي يُلحظ ضمناً الإقرار بأهمية الوحدة الطوعية من خلال تلكم الهتافات. وفي لقاء جماهيري بميدان الحرية في كادوقلي في أغسطس 2009، قال سلفا كير إنه سيصوت لوحدة السودان متفقاً ومنسجماً مع نصوص اتفاقية نيفاشا للسلام وروحها الداعية إلى جعل خيار الوحدة خياراً جاذباً خلال الفترة الانتقالية، وكذلك تصديقاً والتزاماً لما جاء في نص البيان التأسيسي "المانفستو" للحركة الشعبية، مؤكداً "أن وحدة السودان هي الخيار الأول الذي تطرحه الحركة الشعبية التي تحكم إقليم الجنوب، وأن على الجنوبيين أن يعلموا ذلك عندما يتقدموا إلى صناديق الاستفتاء على تقرير مصيرهم في عام 2011 بحسب اتفاق السلام". ولكن الانقلاب الذي أحدثه سلفا كير في توجهات الحركة الشعبية وأطروحاتها، وإن بدا ذلك وكأنه رأي شخصي لم يُلزم به أحد أو يُحدد من خلاله توجهات الحركة الشعبية المستقبلية عند موعد انفاذ استحقاق الاستفتاء على حق تقرير المصير حول جنوب السودان في التاسع من يناير المقبل، بإعلانه في لقاءٍ جماهيريٍ في جوبا عند عودته من الولايات المتحدة الأميركية يوم الجمعة الأول من أكتوبر الماضي بعد مشاركته في قمة نيويورك عن السودان على هامش الدورة الخامسة والستين لاجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة بحضور الرئيس الأميركي باراك أوباما ومشاركة علي عثمان محمد طه نائب رئيس الجمهورية ونائب رئيس المؤتمر الوطني للشؤون التنفيذية أنه سيصوت للانفصال، لأن خيار الوحدة لم يعد جاذباً، غير أنه أكد على الحرية الكاملة لدعاة الوحدة والانفصال لطرح خياراتهم للناخبين من دون حجر أو اعتداء من أي طرف. وأوضح أنه لم ير في السنوات الخمس الماضية من تنفيذ اتفاقية السلام الشامل ما يدعوه إلى التصويت للوحدة وقال: "لدى تقييمي الشخصي في قضيتي الوحدة والانفصال وأنا شخصياً سأصوت للانفصال، ولكن هذا سيحدث في حينه عند الاستفتاء". ولكن سلفا كير بإعلانه توجهه الانفصالي هذا غابت عنه أشياء مهمة، إذ أن رأيه الشخصي في هذا الخصوص لم يعد يقتصر عليه، بل أنه مؤشر للكثيرين من الجنوبيين أن هذا توجه الحركة الشعبية بأكملها نسبةٍ لغياب موقف الحركة الشعبية الرسمي حتى الآن من قضيتي الوحدة والانفصال في الاستفتاء على حق تقرير المصير بالنسبة للجنوبيين لأنه كما قال العلامة أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن خلدون مؤسس علم الاجتماع "الناس على دين ملوكها" فلقد كان ابن خلدون قارئاً عظيماً للعلاقة بين الناس وحكامها. فلذلك أظن – وليس كل الظن إثمٌ – أن الراحل جون قرنق قارئاً حصيفاً لنظرية ابن خلدون، وعارفاً بطبائع ناس حركته، ومدركاً لدور القائد في بلورة توجهات حركنه.
وأحسب من كل ذلك أن موقف سلفا كير من الوحدة بات موقفاً متأرجحاً وفي الوقت نفسه لم تتأكد انفصاليته بدليل حديثه عن الدكتور رياك مشار الانفصالي بأسلوب بلاغي من باب توكيد الذم بما يشبه المدح. أما الدكتور رياك مشار نائب رئيس حكومة الجنوب ونائب رئيس الحركة الشعبية الذي وصفه سلفا كير بأنه انفصالي بينما وصف نفسه بأنه وحدوي، وحجته في وصف مشار بالانفصالي أنه أعلن ذلك في عام 1991، وكأني به يشير إلى البيان التأسيسي للحركة الشعبية لتحرير السودان – جناح الناصر الذي دعا في غير مواربة إلى أنه من الضروري استيعاب الرؤى الانفصالية إلى جانب الرؤى الوحدوية في الحركة الشعبية وأن ذلك لن يتأتى إلا من خلال منح الجنوبيين ممارسة حق تقرير المصير ليحدد الناخب الجنوبي وجهته وحدةً أو انفصالاً، إذ أن فرض الرؤية الوحدوية للحركة الشعبية لتحرير السودان – جناح توريت، نتيجة طبيعية لانعدام الديمقراطية وديكتاتورية القيادة، فلذلك كان هذا التوجه الوحدوي السلطوي السبب الرئيسي للانشقاق أو المفاصلة في سبتمبر عام1991 . ولم يخفِ الدكتور رياك مشار والدكتور لام أكول التوجهات الانفصالية في حركتهما الجديدة. وبدا ذلك واضحاً خلال مفاوضات الحركة الشعبية لتحرير السودان – جناح الناصر مع الحكومة السودانية في اجتماعات لندن ونيروبي في أكتوبر 1991، أي قبل لقاء فرانكفورت الشهير في يناير 1992، كانت الحركة ترغب في الانفصال في الحال بحجة أن هذه الحركة انشقت عن حركة قرنق لتوجهاتها الوحدوية. وفي هذا الصدد قال لي الدكتور علي الحاج محمد رئيس الوفد الحكومي خلال مفاوضات حكومة الخرطوم مع الحركة الشعبية – جناح الناصر "إن طرح الحركة كان الانفصال في الحال وهو طرح غير مقبولٍ لدينا، ولكن بدأنا محادثات معهم في أكتوبر 1991 وأجرينا قبل لقاء فرانكفورت ثلاثة لقاءات في لندن ونيروبي، حيث بدأ أول لقاء معهم في 4 أكتوبر 1991 بلندن مع جون لوك، ومن جانب الحكومة كنت أنا والراحل موسى علي سليمان والنور زروق، وأعقبه لقاء آخر في نيروبي، ثم توالت الاجتماعات، وكان ممثلو الحركة الشعبية – جناح الناصر مصرين على الانفصال الفوري، فقلنا لهم لن تجدوا أحد يقبل طرحكم الانفصالي هذا، لأن حركة قرنق وحدوية، وقالوا لا تفرضوا علينا الوحدة ولهذا جاءت عبارة الوحدة الطوعية من منطلق لا إكراه في الوحدة، وطلبنا منهم أن نعطي الوحدة الطوعية فرصة، ونحن لم نكن محايدين، قلنا لهم نحن وحدويون، ولكن لا نستطيع أن نفرض الوحدة، وعكس اتفاقية نيفاشا لم ندع الوحدة تكون فضفاضة، وقد كنت على اتصال مستمر بالشيخ (الدكتور حسن الترابي) والرئيس (عمر البشير)". وأضاف الدكتور علي الحاج في حديثه معي أنه لا حظ خلال مفاوضات فرانكفورت التي أفضت إلى اتفاقية الخرطوم للسلام في أبريل 1997 "أن الحركة الشعبية – جناح الناصر تريد التأكيد أن تمردها من أجل الجنوب، وليس السودان الجديد، ولكن منطلقاتهم في الدعوة إلى الانفصال منطلقات يأسٍ، ولكن هم في حقيقة أمرهم وحدويون بثقافتهم ولغتهم دفعهم اليأس إلى تبني الانفصال، وكذلك كراهيتهم لقرنق". وعلى الرغم من اتهام سلفا كير للدكتور رياك مشار بأنه انفصالي فإن مشار لم يعلن يوماً أنه وحدوي، وإن كان يعمل جاهداً من أجل أن تتنزل بنود اتفاقية نيفاشا للسلام على أرض الواقع من خلال رئاسته لجانب الحركة الشعبية في اجتماعات اللجنة العليا للشريكين (المؤتمر الوطني والحركة الشعبية).
وقد عرفت الدكتور رياك مشار منذ أمدٍ بعيدٍ عن طريق صديقٍ مشتركٍ هو الأخ الصديق الدكتور كوستيلو قرنق الذي كان يقيم في ألمانيا ويتردد كثيراً إلى لندن، حيث كنا نلتقي في مناسباتٍ عدةٍ، وهيأ لي مشكوراً عدة لقاءاتٍ صحافيةٍ مع الدكتور مشار سواء في لندن أو هاتفياً في نيروبي أو وسط جنوده في الجنوب. لذلك أعلم أنه والدكتور لام أكول انفصاليي التوجه، وإن اتجها للوحدة فليس على غرار وحدة السودان الجديد. فلم يكن مستغرباً بالنسبة لي إبان الملتقى الجنوبيالجنوبي أن يجيب الدكتور لام أكول أجاوين رئيس الحركة الشعبية – التحول الديمقراطي سائله عن موقفه من الوحدة أو الانفصال عند الاستفتاء على حق تقرير المصير حول جنوب السودان في التاسع من يناير المقبل، بأنه لم يحارب من أجل الوحدة في إشارة إلى مفاصلة عام1991 .
أخلص إلى أن مبحث هذه العُجالة كان محوره ما جاء في حوار صحيفة "السوداني" الذي أجرته الزميلة الصحافية رفيدة يسن مع سلفا كير، وأثار ردود فعل متباينة، ولكن أحسب أن القيادات الجنوبية التي أرادت أن تقدح في صدقية الصحيفة ومهنية الصحافية أخطأت خطأً شنيعاً بإنكارها ما جاء في ذلكم الحوار أو الحديث عن نظرية المؤامرة، لأنها بذلك من حيث تدري أو لا تدري قللت من شأن زعيمها وسخرت من دربته السياسية، ومن حنكته القيادية، عندما تصدى محتجاً إدوارد لينو القيادي في الحركة الشعبية بالقول في تصريحاتٍ صحافيةٍ "إن بعض الجهات تسعى لدفع الجنوب والجنوبيين دفعاً واستدراجهم لإعلان مواقف معادية للعالم العربي.. الخ". في إشارة إلى قول سلفا كير "إنه لا يستبعد إقامة علاقات جيدة مع إسرائيل وفتح سفارة لها في جوبا عاصمة الإقليم إذا اختار الجنوبيون الانفصال في الاستفتاء المقرر مطلع العام المقبل"، معتبراً "أن إسرائيل عدوّ للفلسطينيين فقط وليست عدوا للجنوب". هذا في رأيي الخاص لا يقدح في الحوار وحيثياته إنما يظهر قلة خبرة القائد ويؤكد عدم حصافة القيادات. وفي كلا الحالتين الصحيفة لا ذنب لها، بل الأجدر لتلك القيادات الجنوبية تدارك الموقف بوضع الأمر في سياقاته المنطقية بالحجج، وبسط المبررات لتفادي الأضرار السياسية وتداعياتها المستقبلية. ونذكر الجميع أن الكاسيت ليس هو السلاح الوحيد للصحافي، بل أن قوانين القذف والتشهير في العالم، وسعت ما كان ضيقاً على الصحافي في قوانين النشر، بحيث أن التدوين في المفكرة يؤخذ به كإثبات خاصةً إذا كانت الشخصية المستهدفة تقع في نطاق اهتمام العامة، ناهيك عن أساليب التسجيل التقنية الحديثة. ولما لم يتسنَ لي قراءة هذا الحوار المهم في العدد الورقي من الصحيفة، إلا أني أقول إنه كان على الصحيفة أن تهتم أكثر بتسويق هذا الحوار تسويقاً جيداً من خلال الإعلان عنه والدعاية له، وتقديمه لبعض وكالات الأنباء حتى لا يهضم الحق الأدبي والمعنوي للصحيفة والصحافية. وكذلك كان ينبغي أن يُعاد تحرير بعض عبارات سلفا كير وصياغتها صياغة لغوية ترتقي بذوق القارئ اللغوي، وتيسر الفهم لغير العارفين بمفردات عربي جوبا سواء من السودانيين أو غيرهم من القراء.
ولنستذكر في هذا الخصوص قول الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ. كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُون".
وقول الشاعر العربي زهير بن أبي سلمى:
وَمَهْمَا تَكُنْ عِنْدَ امْرِئٍ مَنْ خَلِيقَةٍ وَإِنْ خَالَهَا تَخْفَى عَلَى النَّاسِ تُعْلَمِ
وَكَاءٍ تَرَى مِنْ صَامِتٍ لَكَ مُعْجِبٍ زِيَادَتُهُ أَو نَقْصُهُ فِي التَّكَلُّمِ
ِلسَانُ الفَتَى نِصْفٌ وَنِصْفٌ فُؤَادُه فَلَمْ يَبْقَ إَلا صُورَةُ اللَّحْمِ وَالدَّم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.