لعل ما يحدث داخل أضابير الإدارة الأمريكية فيما يتعلق بنهجها تجاه المشكل السوداني من اختلافات حول تكتيكاتها لا يختلف عليه اثنان، و لا تنكر الادارة الأمريكية ذاتها عدم اتفاقها بشأن السودانيين و فكرة ان الإدارة بداخلها تياران يمارسان تكتيكين مختلفين فى التعامل مع الحكومة السودانية ، هذه ليست بالجديدة.. و لكن ما تجدر الإشارة اليه هو ان واحداً فقط من هذين التيارين هو الأقدر على تحريك عجلة اتخاذ القرار الأمريكية و رسم خطها المستقبلي دون الالتفات الى التصريحات التى تخرج من أصوات معبرة عن التيار الآخر من مؤسسات حكومية او غير حكومية ،وهذا التيار الذى آثر لغة ناعمة و سياسة الحذرة فى تعامله مع الخرطوم ،وهو ذاته الذى يعبر عنه المبعوث الامريكي اسكوت غرايشون الذى يصل حد الاختلاف مع ادارته المباشرة المتمثلة فى وزارة الخارجية. فالرجل يعمل على الارض و قريباً جداً من الحكومة السودانية التى تنتقدها الخارجية الأمريكية تعبيراً عن التيار المضاد له ، فيجد نفسه مطالباً بتقديم تنازلات حتى يتمكن من ايجاد منافذ جيدة تساعده على اداء مهمته ، سيما و ان الخرطوم دائمة التخاصم مع واشنطن ،و قد شهد منتصف الأسبوع الماضي بوادر ازمة مكتومة بين الخرطوم و واشنطن على خلفية الموقف الامريكي الداعم للمحكمة الجنائية ، و شنت الحكومة هجوماً على موقف أمريكياً فى التعامل مع السودان و دعمها للجنائية ، و قالت انه يفتقر الى المصداقية و الموقف الأخلاقي ،وطالبت الولاياتالمتحدة بالتفريق بين قضية العدالة و المحكمة الجنائية و حذرت من استمرار السياسة المزدوجة فى التأثير على العلاقات الثنائية بين امريكا و السودان و طالبت الخرطومواشنطن بتصحيح الوضع بعد ان دمغتها بالسعي لاستغلال الجنائية ضد السودان ، و وصف مساعد رئيس الجمهورية نافع على نافع فى تصريحات صحفية عقب لقائه اسكوت أمريكا بالتناقض فى حديثها بين محاولة تقديمها اعملاً ايجابية فى السودان و دعمها للجنائية، و قال ان ذلك يقلل من جدوي ما تقوم به فى السودان، وابلغ نافع غرايشون ان الحكومة تعتبر الموقف المعلن و الحديث بصراحة من أمريكا تجاه السودان ليس فيه غرابة و يدل على اخلاق الغربيين عامة و استجابة للوبيات التي تتحكم فى امريكا ، كما طالب مسئول ملف دارفور مستشار الرئيس غازي صلاح الدين غرايشون فى لقائه به ان تفرق امريكا بين محكمة الجنايات الدولية وقضية العدالة، و حذر من تأثير استمرار سياسة امريكا المزدوجة على العلاقة بينها والخرطوم ،و فى الأثناء أطلع مستشار الرئيس للأمن الفريق صلاح عبدالله غرايشون على ما تتطلبه المرحلة الحالية من تنمية و اعمار ، وما يمكن ان تقوم به الادارة الأمريكية ،وعد غرايشون بمخاطبة الجهات ذات الصلة بالاستفتاء التى لديها خبرة فى المراقبة و اليونميس ، و مركز كارتر للإضلاع بدور هام فى العلمية ، كما رفض غرايشون التعليق على الموقف الأمريكي من قرارالمحكمة الدولية بتوجيه تهمة الابادة الجماعية للرئيس السوداني البشير على الرغم من انه بدا غير سعيد به، حين قال: هذه فترة حرجة فى السودان إذ لم يتبق سوي ستة أشهر فقط على الاستفتاء ،ونحن مهتمون بما أنجزه كلا الطرفين فيما يتعلق بتنفيذ اتفاق السلام. ..و كانت الخارجية الأمريكية طلبت فى وقت سابق من السودان التعامل مع المحكمة الجنائية بتسليم الرئيس السوداني عمر البشير الذى اصدرت مذكرة ثانية يتوقيفه . و فيما يري عدد من الخبراء و المحللين السياسيين ان الجنرال غرايشون هو مبعوث الرئيس للسودان ، اى انه يتابع من الرئيس مباشرة وهو يعبر عن التيار الذى يتبع سياسة الجزرة مع الحكومة السودانية ،و أوباما كذلك وهذا ما ساقه ل(الاخبار) القانوني الضليع و المحلل السياسي نبيل أديب معتبراً ان قلب الادارة الامريكية اقرب لموقف غرايشون وتصريحات وزارة الخارجية مجرد محاولة لإرضاء المجتمع الأوروبي و بعض من لهم مواقف حادة تجاه الادارة الامريكية ، مضيفاً ان الخارجية الأمريكية ظلت محتفظة بالموقف المتشدد تجاه السودان ، مشيراً الى تقلب السياسة الأمريكية منذ ادارة كلنتون التى كان موقفها اكثر عدائية من ادارة بوش ، حيث اختلف هذا الموقف تماماً ،موضحاً ان غرايشون الآن يميل الى ان يكون موقفه مرناً حتى يستطيع تحقيق نتائج جيدة ، وهو على الارض هنا، و مطالب بتوصيل اتفاقية السلام لنهاياتها ،وهذا يحتاج الى تعاون حكومة الخرطوم معه ، مؤكداً ان الإدارة الأمريكية ظلت لفترة طويلة غير موحدة بشأن السودان ، متفقاً مع الباحث و المحلل و احد كبار البعثيين السودانيين محمد على جادين، الذى يقول ان غرايشون يعبر عن التيار الذى يريد ان يحتوي النظام السوداني ،و اضاف فى تصريح ل(الاخبار) ان الوضع فى السودان لا يحتمل الآن غير هذه السياسة ،و هذا ما يبدو واضحاً لمجموعة غرايشون التى تنتظر حتى قيام الاستفتاء لجنوب السودان كما رسمت هى بشكل سلس ومن ثم ربما تغير سياستها تجاه السودان (وما زال الحديث لجادين) معتبراً ان خلاف التيارين هو فقط فى التكتيك و المنهج العملي تجاه الدولة السودانية . نقلا عن الأخبار 25/7/2010