* لم يحدث من قبل أن أقيمت محكمة دولية للتحقيق في اغتيال شخص، ولكن لأن (لبنان) استثنائي في كل شيء، بما تعنيه هذه الكلمة، فقد أقيمت محكمة دولية للتحقيق في اغتيال (الحريري) 2005، وهو رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق. ولأن الهدف من المحكمة الدولية كان منذ البداية أن يتم (تسييس) أداء مهمتها، فإنه ومنذ اللحظة الأولى، تناغمت أصوات لبنانية من الداخل اللبناني، مع توجهات المحكمة اللاحقة، أو التي سيتم انشاؤها لاحقا، بأن وجهت أصابع الاتهام الى (سوريا) تحديدا لأن سوريا كانت هي المستهدفة في تلك الآونة، لتدار المعركة السياسية اللبنانية الداخلية، من خلال خلق الأجواء المعادية لها، أي لسوريا، باعتبار ان المشروع الأمريكي الجديد كان يجب ان يولد من (لبنان) بعد ان تمّ احتلال العراق، فلبنان وسوريا هما المحطة الجديدة (آنذاك) وكلنا يذكر حجم الهجمة الغربيةوالأمريكية بشكل خاص على سوريا، والتهديد بشن عملية عسكرية ضدّها، الى جانب أشكال الحصار السياسية للضغط على هذا البلد، باعتباره داعما للمقاومة اللبنانية وللمقاومة الفلسطينية. وأخذت الفتنة كل أجوائها داخل لبنان، وانقسم بعدها الشعب اللبناني على خلفية ما سموه ثورة الأرز، وتيار المستقبل، وتمّ رفع الشعارات الطنانة ضد سوريا، لينقسم البلد الى تيار المعارضة ومنها المقاومة، وتيار (14 آذار)، حتى اذا تمّ شن العدوان على لبنان 2006 بذريعة أسر الجنديين الإسرائيليين من جانب حزب الله، جاءت نتائج العدوان غير متوقعة للمخططات والترتيبات الأمريكية، التي أرادت تلك الحرب لتكون (مخاضا) لبنانيا قاسيا، يولد من خلاله الشرق الأوسط الجديد، وشاءت الأقدار أن تتغيّر موازين اللعبة كلها، جرّاء ما أبدته المقاومة اللبنانية من مواجهة ناجحة لإفشال المخططات المخاضيّة الصعبة للولايات المتحدة وإسرائيل. { ومع تغيّر رياح المنطقة استراتيجيا وسياسيا، وانكشاف أمر شهود الزور، الذين تم زجهم للشهادة ضد سوريا، تغيرت اللعبة اللبنانية الداخلية أيضا، وتمكنت المقاومة من فرض معادلة (حكومة الوحدة الوطنية) رغم ما حملته معها من ألغام مختلفة، وانتهى المشهد ليتهافت الجميع على سوريا، بعد ان صمدت بدورها في وجه الأعاصير الأمريكيةوالغربية والعربية التابعة، لتهدأ لعبة المحكمة الدولية قليلا، وتتلاحق استقالات المسئولين فيها وعنها جرّاء الفضائح التي لازمت تلك المحكمة. { ولكن ولأن إسرائيل تريد إعادة الهيبة لقوة الردع العسكرية فيها، فإن الحرب يلزمها أولا إعداد الساحة اللبنانية الداخلية، وخاصة مع بقاء بعض أصوات العمالة الإسرائيلية والأمريكية، تؤجج الداخل اللبناني للفتنة بأشكال مختلفة، كانت المقاومة اللبنانية (حزب الله) سرعان ما يفك فتيلها كل مرة، وكان آخرها (5 ايار 2008) حين طالبت حكومة (السنيورة) بوضع شبكات الاتصال لدى المقاومة، تحت رقابة الاتصالات اللبنانية العادية، مما يعني فتح باب التجسس واسعا على اتصالات المقاومة (السرّية)، وخرق تلك السرّية، التي كانت سببا في نجاح المقاومة للتصدي للعدوان الإسرائيلي 2006 بنجاح. { في الآونة الأخيرة انفضح أمر شبكة الاتصالات اللبنانية، مع انكشاف أمر الجواسيس اللبنانيين في تلك الشبكة، التي عملت لصالح إسرائيل، وصالح الاختراق الإسرائيلي لكل الاتصالات اللبنانية. هنا تحديدا تصاعد الحديث مجدداً عن (المحكمة الدولية) والمتهم هذه المرة هو (حزب الله) أو المقاومة الإسلامية اللبنانية، والهدف خلق فتنة طائفية جديدة في لبنان، من أجل إضعاف الساحة اللبنانية الداخلية مجدداً، لإعدادها لحرب إسرائيلية جديدة، وباعتبار ان (الحريري السني) قد تعرض لاغتيال من (حزب الله الشيعي)، وهكذا تفور النفوس بالطائفية البغيضة، على أساس (اتهام ظني) من المحكمة الدولية، قائم على (فبركة مجموعة من الاتصالات) التي اخترقتها إسرائيل داخل لبنان، وهو الأمر الذي فضحه الأمين العام لحزب الله سماحة السيد (حسن نصرالله) وطالب بإعدام الجواسيس، لتثور ثائرة أولئك الجواسيس ومعهم إسرائيل والولايات المتحدة والغرب الحليف، ليتم مجددا الحديث عن المحكمة الدولية واتهامها (الظني) كما حدث مع سوريا، حتى لو انكشف أمر ذلك (الاتهام الظني) لاحقا وحجم الكذب والتزوير فيه، تكون الفتنة الداخلية قد وقعت، والساحة اللبنانية قد انقسمت، والجواسيس والعملاء قاموا بمهمتهم على أكمل وجه، تماما كما فعلوا قبل ذلك مع (سوريا)، وبذلك أصبحت الساحة اللبنانية قابلة لقيام حرب إسرائيلية - أمريكية جديدة عليها، أما انكشاف كذب المحكمة لاحقا فمقدور عليه، وتماما كما حدث في سيناريو سنوات ما بعد احتلال وتدمير العراق، وانكشاف كذب وتزوير التهم حول أسلحة الدمار الشامل. { وهكذا تلعب المحكمة الدولية (مجدّدا) دورها الوظيفي السياسي المشبوه في خدمة أجندة إسرائيل والولايات المتحدة، في إشاعة الفتن داخل لبنان، خدمة لحرب جديدة للقضاء على المقاومة، ولتجريد المقاومة من سلاحها، أي استخدام المحكمة الدولية، للقيام ب (الدور الفتنوي) وتحقيق ما لم تتمكن إسرائيل من تحقيقه رغم العدوان الشرس على (حزب الله) وعلى لبنان. { إنها المحاولة المكشوفة لوضع (حزب الله) أمام الفتنة الطائفية في الداخل، والهاؤه عن الجهوزية، لصد أي عدوان إسرائيلي على لبنان، وإشعال الحرائق الداخلية حوله على يد العملاء اللبنانيين، وجرّه (رغما عنه) لمواجهة مسلحة، ثم إلهاء الشعب اللبناني بأن حزب الله (قد استخدم سلاحه في الداخل) لتدور دائرة اللغو وخلط الأوراق، حتى لا تعود المقاومة آمنة الظهر في الداخل وهي تواجه عدوانا جديدا على كامل التراب اللبناني، وحسب التهديد الإسرائيلي. { إنها المحاولة الجديدة أيضا في وضع السكين مباشرة على عنق (حزب الله) وبأدوات عميلة داخل لبنان، وبمشجب خارجي هو (المحكمة الدولية) التي لا شبهة في أنها مجرد أداة استعمارية أمريكية لتحقيق أجندة مخططات الفتنة مرة بعد أخرى داخل لبنان، والهدف والغاية دائما هما المقاومة اللبنانية الباسلة وسلاحها الذي يرعب ويردع إسرائيل والولايات المتحدة لتحقيق المشاريع الصهيونية الاستعمارية في المنطقة من المخاض اللبناني حسب تعبير (كونداليزا رايس) أثناء عدوان .2006 فهل سيقف (حزب الله) متفرجا؟ ذلك ما سنكمل الحديث حوله وبالتالي فللحديث صلة. المصدر: اخبار الخليج 28/7/2010