كشفت استطلاعات الرأي الأخيرة أن أكثر من 70% من أبناء الشعب الأميركي يحملون صورة سلبية عن الكونغرس، حيث حصلت السناتور نانسي بيلوسي، المتحدثة باسم المجلس، على نسبة تأييد لا تتجاوز 10% فقط، واحتل السناتور هاري ريد، زعيم الأغلبية، المرتبة الأخيرة في قائمة الاستطلاعات. فلم كل هذا الكره المتزايد لأعضاء الكونغرس وصانعي القرار في أميركا؟ لقد شهد الكونغرس في الماضي حالات فساد وفضائح، مثل فضيحة مكتب البريد التابع للكونغرس، والرشى التي قُدمت في عملية تحقيق «أبسكام»، التي قام بها مكتب التحقيقات الفيدرالي، وغيرها، غير أن الفرق الآن هو أن الكونغرس لا يرتع في بركة الفساد فحسب. وإنما يبدو مثيراً للقلق، حيث إن أعضاءه تكيفوا مع ثقافة الفساد، وما عاد أحد يشعر بالذنب تجاهها، وقد رفع الديمقراطيون شعار مقاومة «ثقافة الفساد» للفوز بالكونغرس عام 2006، ولم تكن تلك الثقافة بعيدة عن الجمهوريين، الذين كانوا يسيطرون على الكونغرس آنذاك. ومن الذين كانت تحوم حولهم الشبهات حين غادروا الكونغرس من الجمهوريين نذكر ديوك كنينغهام (دائرة كاليفورنيا الانتخابية)، وبوب ني (دائرة أوهايو الانتخابية)، وتوم دِلي (تكساس)، أما لاري كريغ (إيداهو)، ومارك فولي (فلوريدا) فقد تسببت الدعاوى الجنسية بتدمير مسيرتيهما المهنيتين. وحين تولى الديمقراطيون الإصلاحيون السلطة لم يتحسن الحال، بل تدهورت الأمور إلى الأسوأ، ما يدل على أن المشكلة لم تكن كامنة في السياسة، وإنما هذا هو ما أصبح عليه الكونغرس، والأمثلة كثيرة في هذا الصدد، فقد تم اتهام السناتور الجمهوري وليام جفرسون بعدة تهم، منها الرشوة والكسب غير المشروع. كما تجري التحقيقات حالياً مع تشارلز رانغل، الذي تنحى أخيراً عن رئاسة لجنة الوسائل والسبل التابعة للكونغرس، بخصوص عدة مخالفات وجُنح، أقلها شأناً التهرب الضريبي، كما حصل السناتور كريس دود على قرض من دون فائدة من أحد البنوك الآيلة للإفلاس لشراء بيت. يأتي الرؤساء ويروحون، لكن الكونغرس باق في مكانه، ولا يغير من عاداته في اقتراض الأموال، وفيما يتعلق بآخر نصف تريليون دولار أنفقتها الحكومة كان للكونغرس أكثر من 5000 عملية تخصيص مالي، حيث يقوم أعضاء مجلس الشيوخ وأعضاء مجلس النواب بإغداق المنح والهبات على أبناء دوائرهم الانتخابية، غالباً لأمور تتعلق بالانتخابات، ولا يفكرون حينها بارتفاع الديون الاتحادية، أو قيمة تلك الأموال التي تنفق. وحين تتم مساءلة هؤلاء البرلمانيين عن تصرفاتهم المشبوهة تلك، يردون بلامبالاة، وكأنهم يعيشون في عالم خاص بهم، المساس به ممنوع، ولنا أن نتخيل ذلك، حين نعلم أن السناتور بيلوسي الديمقراطية طلبت أن يتم استبدال طائرتها الخاصة لتحل محلها طائرة حكومية ضخمة. حتى لا تضطر للتوقف لتعبئة الوقود في منتصف الطريق إلى بيتها في ولاية كاليفورنيا، كما ضربت السناتور الجمهورية السابقة سينثيا ماكيني رجل شرطة طلب منها إبراز بطاقة الهوية، أثناء محاولتها دخول مبنى الكونغرس، ووصف السناتور تشارلز سكومر إحدى المضيفات الجويات بأوصاف بذيئة، بعدما طلبت منه أكثر من مرة أن يغلق هاتفه النقال وفقاً للقانون الاتحادي. من المنطقي والحال كذلك في دولة ديمقراطية كالولايات المتحدة أن ينظر الناس لهؤلاء المشرعين بهذه النظرة السلبية، فهل يستطيع هؤلاء «النبلاء» أن يقدموا لناخبيهم بعض الاعتذار والندم؟ الخطوة الأولى التي ينبغي اتخاذها إلغاء فكرة تسمية التماثيل والمتنزهات والبنايات والشوارع بأسماء أعضاء مجلس الشيوخ الأحياء، فعامة الناس لا يتوقعون أن يتم تسمية الصروح بأسمائهم لأنهم يقومون بعملهم وواجبهم، والشيء ذاته ينبغي أن يطبق على أعضاء مجلس الشيوخ. ألا يستطيع هؤلاء المشرعون أن يعودوا إلى بيوتهم ويعيشوا عيشة هادئة وقانعة بعد أن يكملوا فترة عملهم في مجلس الشيوخ؟ لماذا تراهم لا يتوقفون عن التآمر مع زملائهم السابقين سعياً للحصول على أرباح بشتى الوسائل؟ الأهم من هذا كله، لماذا لا يلتزم أعضاء الكونغرس بالقوانين التي يصدرونها هم، ويفرضونها على الناس؟ إذا كان أولئك الأعضاء يرغبون في تغيير القطاع الصحي وإصلاحه، فلماذا لا يلتزمون بالخطط التي يفرضونها على الآخرين؟ ينبغي على جميع المكاتب التابعة للكونغرس أن تخضع لقانون العمل نفسه الذي تخضع له شركات القطاع الخاص من جميع النواحي، وينبغي على الكونغرس المنهمك في إرضاء نفسه أن يبدأ عملية الإصلاح فوراً وبسرعة، فالكل بات مقتنعاً الآن بأنه ليس إلا مطية لتمجيد أعضائه وجعلهم أغنى، وجعل باقي الأميركيين أكثر فقراً. أستاذ في جامعة ستانفورد الأميركية المصدر: البيان 8/8/2010