برعت بعض الشخصيات القيادية في الحركة الشعبية وتمرست على صنع الأزمات وإثارة المشاكل بإطلاق التصريحات النارية والفرقعات الإعلامية من حين إلى آخر.. ومن هذه الشخصيات السيد باقان أموم وزير السلام بحكومة الجنوب والأمين العام للحركة الشعبية، ومن قبله ياسر عرمان الذي تحول بقدرة قادر من ظاهرة صوتية قبل الانتخابات الى ظاهرة صمتية بعد انفضاض سامرها بسلام، ولعله قد أسلم الراية الى السيد أموم بسبب متطلبات المرحلة. آخر فرقعات أموم تصريحاته التي حملت تهديداً صريحاً باللجوء الى (خيارات) أخرى ينظر فيها برلمان جنوب السودان لحسم موقف الجنوب من الشمال اذا ما تم تأجيل موعد الاستفتاء. يأتي هذا التهديد من باقان بعد نحو أسبوعين من تصريحات للسيد سلفاكير ميارديت رئيس الحركة نفى فيها بشكل قاطع أن تكون لحكومة الجنوب أية نية لاعلان (الاستقلال) من جانب واحد وأن السبيل الوحيد اذا أراد الجنوبيون ذلك هو الاستفتاء. وأصل الحكاية إن مقرر مفوضية استفتاء جنوب السودان الفريق طارق عثمان الطاهر اشار في معرض رده على استفسارات برلمان الجنوب حول تأخير عمل المفوضية طيلة الفترة الماضية الى أن هذا التأخير نجم بسبب تأخير تنفيذ الكثير من الاجراءات والترتيبات الخاصة بالمفوضية، ومن ذلك تأخير تعيين الأمين العام للمفوضة مما سيجعل الالتزام بالزمن المحدد للاستفتاء أمرا صعباً للغاية، ومنوها الى أن أية محاولة لاختزال الاجراءات واللوائح سيكون على حساب مصداقية ونزاهة وعدالة الاستفتاء، مذكراً بأنه اذا حدث تأجيل للاستفتاء فسيكون لفترة قصيرة ضمن الاطار الزمني المتبقي للفترة الانتقالية. هذا رأي فني للسيد مقرر المفوضية، في اعتقادي أنه حين أفصح عنه كان أميناً مع نفسه وفياً للقسم الذي أداه قبل مباشرة مهامه التي نظمتها اللوائح الواردة في قانون الاستفتاء. لكن السيد أموم كعادته لم يترو ليتأمل في الحيثيات التي أوردها مقرر المفوضية لدراستها والرد عليها بحجج موضوعية ومنطقية تستلهم روح اتفاق السلام ولوضع الحلول الممكنة للمشكلات المتعلقة بها، لكنه عوضاً عن ذلك سارع الى التلويح باللجوء الى خيارات أخرى وكان حريا به على الاقل الاستمساك بما تم الاتفاق عليه في ورشة القاهرة ولم يجف حبره بعد وكان هو طرفاً فيه وشاهداً عليه وهو إجراء الاستفتاء في موعده. وعلى حد علمي فإن المؤتمر الوطني حتى الآن لم يصرح أو يلمح بالتأجيل بل بالعكس ما انفكت قيادته العليا والوسيطة تؤكد مرارا وتكرارا ليلا ونهاراً على الالتزام بإجراء الاستفتاء في موعده، حتى أصبح هذا التأكيد لازمة و(رمية) تستهل وتختم بها قيادات الحزب خطابها السياسي في المناسبات المختلفة. ويعلم السيد باقان علم اليقين أن التأجيل لا يمكن أن يتم الا بالاتفاق الكامل بين الحكومة المركزية وحكومة جنوب السودان حسبما تنص على ذلك المادة (14) من قانون الاستفتاء. فلماذا نسى باقان كل هذه الحقائق و(كنكش) في الراي الفني لمقرر المفوضية وعمل منها حكاية؟ لماذا يريد البكاء بسبب هذه الريشة؟ إن اتفاق السلام الشامل أبرم بين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني وأصبح من بعد ذلك إرثا لا يمكن المساس به وأمر تنفيذه يقع على عاتق الطرفين الموقعين عليه وبالتالي فان المسؤولية الاخلاقية والقانونية والسياسية تحتم عليهما أن يقوما بذلك بارادة قوية ونية خالصة وروح وطنية صادقة من أجل الوصول الى الهدف الاسمى وهو احلال السلام والاستقرار في ربوع المليون ميل مربع. إن التهديد باللجوء الى خيارات (أخرى) بشكل انفرادي في هذا الوقت العصيب الذي تمر به البلاد سيضر ضررا بالغا بمكتسبات السلام، ويعتبر خروجا صريحاً على اتفاق السلام سواء كان ذلك من الحركة أو المؤتمر الوطني لذلك نقول للسيد أموم وهو يشغل منصب وزير السلام في حكومة الجنوب أنه لا خيارات (أخرى) وإنما هو خيار واحد وهو خيار السلام والالتزام باتفاق السلام ولا يتم الالتزام باتفاق السلام الا بالعمل (jointly) مع المؤتمر الوطني شريك السلام للعبور بالجنوب والشمال معاً الى بر الأمان. وتلك إن شئت هي (ورطة) اتفاقية السلام التصرف الانفرادي فيها يجعلك تخسر كل شئ ولا تستطيع بعدها أن ترجع حتى الى مربع (1)، أما تعمد اللعب الخشن قبيل نهاية الشوط الأخير فهي حماقة تورث صاحبها وفريقه وجمهوره الحسرة والندامة. نقلاً عن صحيفة آخر لحظة السودانية 12/8/2010م