لعل الأممالمتحدة قصدت أو لعلها أيضاً لم تقصد، ولكنها على أية حال وفي المحصّلة النهائية سارعت بإفساد نوايا بعض القوى السياسية السودانية المعارضة خاصة أحزاب وقوى مؤتمر جوبا التي حددت الثلاثين من نوفمبر الجاري موعداً لتحديد موقفها النهائي من خوض الانتخابات المرتقبة المقرر لها شهر ابريل المقبل 2010، وما من شك أن معنى تحديد الموقف يتضمن احتمال مقاطعة الانتخابات، ولكن الأممالمتحدة وقبل حلول الموعد، أفسدت على الأحزاب التي تنتوي المقاطعة إمكانية اتخاذ قرار بالمقاطعة حيث أشادت المنظمة الدولية بالقوانين الانتخابية السودانية التي على أساسها ستجري الإنتخابات، وقالت الأممالمتحدة في تصريحات لأحد مسؤوليها الاسبوع الماضي ان السودان لديه المقدرة الكافية لاقامة انتخابات حرة ونزيهة وأضاف المستشار القانوني لوحدة الانتخابات في الأممالمتحدة (وحيد رسولي) إن القضاء السوداني قادر على القيام بمهمة مراقبة الانتخابات كما أن القوانين التي استنّها السودان للانتخابات مناسبة ومعقولة لإجرائها ووصفه بأنه من أفضل القوانين المعمول بها ودعا وحيد رسولي كافة القوى السياسية للمشاركة في هذه الانتخابات لانهاء الوضع المعقد والاحتقان السياسي الذي عانت منه البلاد لسنوات، معتبراً أنها سانحة لاصلاح الأوضاع واكساب البلاد شرعية سياسية. وما من شك أن هذه الإشادة الأممية هي شهادة موضوعية، جاءت مقدماً من المنظمة الدولية، وهي بهذه المثابة تنزع عن كافة القوى السياسية التي ترى عكس ذلك إمكانية الادعاء بغير ذلك، وبالطبع لا نعني بذلك ان رأي المنظمة الدولية هو الأصوب وهو الرأي النهائي، ولكن لن يخالج أي مراقب موضوعي أدنى شك في أنه وحين تقرر مستشارية الأممالمتحدة القانونية والمتخصصة في العمليات الانتخابية صلاحية القوانين، وصلاحية الجهاز العدلي وصلاحية المناخ لقيام الانتخابات فإن من الصعب ان لم يكن من المستحيل الادعاء بعكس ذلك ومن ثم اكتساب تعاطف المنظمة الدولية خاصة اذا علمنا أن تاريخ المنظمة الدولية في تعاملها مع السودان غالبه سالب ونادراً ما كان للأمم المتحدة مواقفاً تُحسب في خانة الايجاب تجاه السودان، يُضاف إلى ذلك فإن الأممالمتحدة ما كانت بحال من الأحوال لتشيد بقوانين الانتخابات في السودان وقضاؤه لو لم تتوفر لها دراسة موضوعية كافية بنيت على أساسها شهادتها هذه ولهذا فإن القوى الساسية المعارضة في السودان هي الآن بين خيارين مريرين، فهي إما أن تستجيب للانتخابات العامة وتقبل بخوضها ومن ثم تقبل بالنتيجة بروح ديمقراطية عالية، واما أن تقرر مقاطعتها وتكون قد أسهمت في فوز خصومها بالتزكية وفي ذات الوقت خسرت التعاطف الدولي كونها قاطعت انتخابات حرة بلا مبرر ودون أسباب موضوعية. فيا ترى هل جاء الأمر عن طريق المصادفة البحتة ومن ثم أسهمت المنظمة الدولية في تعميق جراح القوى السياسية المعارضة في السودان وأغلقت عليها الطريق، أم أن الأممالمتحدة لم تضع في حساباتها مواقف هذه القوى ورغماً عن ذلك أرادت حضّها ودفعها نحو خوض الإستحقاق الإنتخابي؟