بالطبع لا يحتاج اى مراقب لكبير عناء لتعداد الخسائر الهائلة – دون مبالغة – التى ترتبت على إقدام الحركة الشعبية على اعتقال اللواء تلفون كوكو أحد أبرز قادتها المنتمين لقبائل النوبة بجنوب كردفان و الذى يتمتع بشعبية معروفة وسط أبناء النوبة ، فأقل خسارة لحقت بالحركة الشعبية جراء هذا الاعتقال الذى امتد شهوراً فى غياب اية تهم واضحة او سباب أمنية مقنعة هو ان ابناء النوبة أدركوا إدراكاً لا يتطرق اليه ولو بصيص من شك ان الحركة لم تعد في حاجة اليهم بعدان استنفذت قواهم فى حربها الطويلة ضد الشمال لحوالي عقدين من الزمان ، فقد اعتقلت كوكو باستسهال استغرب له قادة النوبة بالحركة و فى مقدمتهم اللواء دنيا لكودي ،و تنضاف خسارة اخري للحركة كونها (سهلت) على ابناء النوبة – منذ الآن – مشورتهم الشعبية ، تلك المشورة التى منحت لاقليم جنوب كردفان ليتقرر على ضوئها تبعية اهل الاقليم للشمال ام للجنوب ،إذ ما من مغامر عاقل يفكر مرة اخري فى المغامرة لإتباع الحركة الشعبية و المشي فى ركابها بعد كل هذا الجحود و نكران الحقوق و ضربها عرض الحائط بقادة النوبة و محاربتهم فى صفها. و أما خسارة الحركة الأكثر سوءاً جراء الاعتقال فهي انها و حتى هذه الساعة لم تكشف ولو نذراً يسيراً يروي غليل النوبة عن اسباب الاعتقال ،و ذلك ان اى اعتقال لقيادي كبير بالحركة لا بد ان يستند على (دواعي و أسباب قوية مقنعة) و لابد ان يفضي ايضاً الى محاكمة او رد اعتبار سياسي و اعتذار علني اذا لم يكن قرار الاعتقال قائماً على أساس . هذا فيما يخص الاعتقال و دواعيه فهو بمثابة كارثة سياسية ارتكبتها الحركة و سوف يتعين عليها قريباً جداً –و المشورة الشعبية و الاستفتاء على الابواب – ان تدفع ثمناً باهظاً لها. و لكن لندع كل ذلك جانباً و لنعد الى سؤالنا الأساسي الذى وضعناه على رأس هذا التحليل و هو لماذا خسرت الحركة هنا بدرجة مزدوجة و فادحة فى إزدواجها نفسه فعلي كثير المطالبات و المبادرات التى قادتها قطاعات شعبية مؤثرة من ابناء النوبة لاطلاق كوكو فان الحركة تجاهلتها و لم تعرها اهتماماً قط ،و قد كان من الممكن ان تكون هذه المبادرة الشعبية (مخرج) للحركة و فى نفس الوقت (جسراً) تعبر عبره لاستقطاب ابناء النوبة وكسبهم الى جانبها ،و لكن الحركة ولسوء فى الحسابات و التقدير عرفت عنها ، فضلت عدم الاستجابة لما يمكن ان نسميها فى الواقع (ضغوط) مارسها عنوة قادة النوبة بالحركة لما شعروا ان الأمر تطاول و تجاوز الحدود و كشفت مصادر مطلعة فى جوبا ان قادة النوبة بالحركة أرسلوا تهديداً صريحاً للحركة لم يجدوا مناصاً من توجيهه و هو ما كانت فى غني عنه . الخسارة التانية انها ترفض اطلاق سراح كوكو و الانتخابات المؤجلة فى الولاية –جنوب كردفان- علي الأبواب و الرجل بات المرشح الأكثر شعبية وسط النوبة و قريب شبه بنلسون مانديلا الحركة فى جبال النوبة ،و ربما قرر خوض الانتخابات مستقلاً بما يشير الى فقدان و خسارة الحركة له و لجماهيره الداعمة له. فى الحقيقة لقد انتحرت الحركة و كادت ان تنحر علاقاتها بالنوبة بتصرفها المؤسف هذا و هنالك الكثير من ما يعتبره البعض (مفاجآت) تنتظر الحركة فى غضون الأشهر القليلة المقبلة !