لم تكن المهمة القادم إليها المبعوث الأمريكي للسودان أسكوت غرايشن اليوم بأقل صعوبة من سابقاتها، بل قد تكون الأكثر تعقيداً على الإطلاق خاصة بعد البروز الطاغي لجماعات الضغط الأمريكية ومعارضتها السافرة لما يتبعه غرايشن تجاه القضايا السودانية خاصة الصراع الذي دار بينه ومندوبة الولاياتالمتحدة في الأممالمتحدة سوزان رايس التي تعارض بشدة ما اقترحه غرايشن من جعل الاستفتاء للجنوباولوية قصوى وتقليل التركيز على قضية دارفور مع تخفيف الضغوط على الحكومة السودانية، إلى جانب أن الساحة التي سوف يحط بها غرايشن رحاله بالبلاد ليس بأقل سخونة من الأجواء التي عايشها في البيت الأبيض عندما طرح مقترحه، فالوضع هنا لا يبشر بحسم لطيف بل يتجه حسب ما تناولته الإنباء إلى التعقيد الأكثر والأخطر خاصة بعد أن أشتد الصراع حول مفوضية الاستفتاء وما يجري من شد وجذب بين أطراف اتفاقية نيفاشا. نهاية المبعوثين:- فسياسة الإدارة الأمريكية تجاه السودان لم تتغير بل قد يكون تغيرت بعض الشيء في الأساليب والأشخاص الذين ينفذون تلك السياسة ولكن تظل السياسة كما هي فكل من لمك يلتزم بتنفيذ ذلك يجد نفسه اما معزولاً أو مضطراً لتقديم استقالته، وذلك ما اثبتته التجارب التي عايشها السودان خلال فترات المبعوثين الأمريكيين الذي تعاققبوا في الفترة الماضية على السودان منذ عهد روبرت زويك الذي تولي ملف السودان ابان فترة شغله لمنصب نائب وزيرة الخارجية الأمريكيةكندا ليزا رايس على الرغم من اهتمامه الاقتصادي وبعده عن القضايا الخارجية الا أنه استطاع أن يقنع الإدارة الأمريكية بان يكون مبعوثاً للسودان حيث جعلته قلة معلوماته عن السودان يجتهد في تكوين قاعدة معلومات مهمة وكان صوت عال داخل إدارة بلاده بضرورة تحفيز الحكومة السودانية وعدم ممارسة ضغوط خاصة وان مشكلة دارفور كانت في طريقها الى التأجيج، الا أن زوليك اصطدم نتيجة الى آرائه تلك بضغوط مكثفة من قبل مجموعات الضغط حتى وصفه دبلوماسيون تحدثوا ل (السوداني) بأنه من أفضل المبعوثين الأمريكيين حيث كانت له سياسة واضحة وكان مصراً على إتباعها تجاه السودان وكان منصفاً لحد كبير حيث كذب ما أوردته تقارير الأممالمتحدة عن عدد القتلى في دارفور وأشار في تقرير قدمه لمجلس الشيوخ في ابريل من العام 2007م الى ان نسبة القتل في دارفور لم تكن بالحجم الذي أورده المنظمات الا أن تقريره ذلك كان بمثابة الا إنهاء لمهمته في السودان، وكانت مواقفه تستند على ضرورة وقف فرض العقوبات باعتبار أنه لا يمكن حل مشاكل السودان في ظل فرض العقوبات، وظل ناتسيوس على هذا الموقف الذي يرتكز على الايجابية في التعامل مع الحكومة السودانية الا أنه وجهت له الانتقادات من جماعات الضغط الأمريكية الى أن قدم استقالته في آخر المطاف، ومن بعده خلفه مبعوث الرئيس جورج بوش وليامسون الذي يعتبر من أسوأ المبعوثين الأمريكيين الي السودان حسب ما أورده دبلوماسيين حيث أنهم قالوا بأنه كان ناشطاً في تحالف منظمات إنقاذ دارفور، الا أنه رأي أن يتخذ سياسة جديدة تجاه الأوضاع في السودان وحاول أن يقنع إدارة بوش باتخاذ خطوات من شأنها تسهيل مهمته في السودان عبر ترفيع التمثيل الدبلوماسي بين البلدين مما جعله ذلك يتعرض لضغوط كثيرة من قبل جماعات الضغط داخل البيت الأبيض والكونجرس ومجلس الشيوخ الأمريكي، وكذلك عمل على إقناع بلاده بالاتفاق حول رفع التمثيل الدبلوماسي وتطبيع العلاقات والنظر في رفع أسم السودان من القائمة الأمريكية للإرهاب الا أن الاتفاق تم قتله قبيل التوقيع عليه بساعات حيث كان مقرراً له التوقيع النهائي في النادي الدبلوماسي بالخرطوم في يونيو من العام 2008 عقب تلقي وليامسون لمكالمة هاتفية أعلن على أثرها عدم اكتمال المشاورات حول الاتفاق ليخرج بعدها ولم يعد الى السودان حتى الآن. غراين وغضب رايس:- كل هؤلاء المبعوثين كانوا في ظل إدارة الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش التي كانت تنتهج نهجاً واضحاً تجاه السودان، الا أنه وبعد أن أعلنت الإدارة الأمريكية برئاسة باراك اوباما انتهاج سياسة جديدة تجاه العالم خاصة ما يصنف عندهم من دول تحت قائمة الإرهاب وتم تعين الجنرال المتقاعد أسكوت غرايشن الذي عرف من توليه لمهامه بأنه من دعاة إقامة علاقة أوثق وأكثر تعاوناً تفاعلاً مع حزب المؤتمر الوطني ويري أن ذلك أفضل وسيلة للتأثير عليه، ونقلت مجلة السياسية الخارجية أن اللقاءات المستمرة على مستوي المسؤولين المباشرين عن ملف السودان في البيت الأبيض الأسبوع الماضي، حيث أشتبك غرايشن علنا مع سفيرة الولاياتالمتحدة لدي الأممالمتحدة سوزان رايس حول اتجاه سياسة السودان، وأورد أن رايس كانت ((غاضبة)) خلال الاجتماع حينما أقترح غرايشن خطة تجعل الاستفتاء في يناير أولولية قصوى، وتقلل التركيز على الأزمة المستمرة في دارفور، وتخلو الخطة من أية ضغوط إضافي على حكومة الخرطوم، ليجد غرايشن نفسه في زيارته الحالية والتي يري مراقبون أنها يمكن أن تكون الأخيرة وأمام ضغوط جماعات الضغط في ادارة بلاده وما عليه الواقع في السودان سواء كان من ناحية قضيته الأساسية التي تكاد تفقده دوره في السودان والمتمثلة في الاستفتاء الى تعقيدات قضية دارفور ومآلاتها، ومن المقرر أن يناقش غرايشن في الخرطوم عدداً من القضايا مع كبار المسؤولين في الدولة ومن ثم يغادر الى جوبا ثم الى نيروبي، كل تلك التحديات والضغوط تجعل غرايشن يواجه أصعب واعقد المراحل في إطار مهمته إلى السودان، ويمكن القول أنه في حال عبوره لتلك البحور من المصاعب يكون قد أنجز ما لم ينجزه أسلافه أو أن يسلك ذات المسلك الذي ساروا عليه بأن تكون الاستقالة هي المخرج. نقلاً عن صحيفة السوداني 18/8/2010م