سياسيا يمكن القول ان الحزب الوطني الحاكم في السودان ظل يقر ويردد وباستمرار أنه ملتزم بقيام الاستفتاء الخاص بجنوب السودان في مواعيده وكان اخر تأكيد في هذا الصدد من مساعد رئيس السوداني الدكتور نافع علي نافع في مؤتمر صحفي عقده أواخر الاسبوع الماضي. فاتفاقية السلام تقر هذا الالتزام والدستور الانتقالي سنة 2005م هو أيضا يقر هذا الالتزام. ومن المهم هنا وفي ظل ما يمكن وصفه بالجدال غير المبرر الدائر في الساحة السياسية أن يشير الي ان طلب تأجيل الاستفتاء لم يصدر من أي قوة سياسية الجهة الوحيدة التي ألمحت اليه بهذا الطلب هي مفوضية الاستفتاء وهي حين ألمحت للتأجيل ألمحت اليه وفي ذهنها قانون الاستفتاء سنة 2009م وهذا القانون نص في المواد (62) (67) علي جدولة زمنية واجراءات معنية لابد من الوفاء بها قبل اجراء الاستفتاء لهذا فان القطع بقيام الاستفتاء في موعده- وهذا ما باتت تؤكده الحكومة السودانية يستلزم بالمقابل اجراء تعديل علي قانون الاستفتاء وهو تعديل مهم للغاية من المستحيل قيام الاستفتاء في موعده دون اجرائه. والمعضلة ها هنا – كما أشار اليها بحق الاستاذ محمد الحسن الامين البرلماني والقانوني المعروف هي في كيفية اجراء التعديل والبرلمان الان في اجازة لن تنتهي الا في شهر اكتوبر القادم؟! فاذا قال البعض ان التعديل يمكن يتم بأمر مؤقت يصدره الرئيس فان الدستور يمتنع في هذه الحالة حيث لا يسمح باجراء تعديل علي قانون يتصل باتفاقية سلام أو اجراء انتخابي بموجب أمر مؤقت اذ لابد من أن يتم التعديل بواسطة البرلمان. من هنا يمكن القول ان مفوضية الاستفتاء حين طلبت التأجيل- وريئسها رجل قانون ضليع ومعروف لم تكن تعبر عن موقف سياسي ولا مزايدة من أي نوع هي فقط كانت تقرأ نصوص قانونية واضحة أمامها. وقد كان المطلوب من الحركة الشعبية ولديها خبراء قانون كثر في مقدمتهم د. منصور خالد مستشار الرئيس والمستشار المعروف للحركة أن (تقرأ) الطلب بعمق وبدون حساسية لا داع لها فالطلب قانوني محض لا مجال للمزايدة عليه ولعل هذا يفسر لنا لماذا لزم القانونية المعروفين بالحركة الصمت فقد صمت د. منصور خالد وصمت غازي سليمان ووزير الدولة بوزارة العدل المنتمي للحركة الشعبية ووزير الشئون القانونية بحكومة الجنوب. لقد كان من الواضح أن الامر لا يتحمل الجدال وهذا ما سوف يصبح في الواقع عقبة في حاجة الي حل ومن ثم يتضح لكل الذين يجادلون الان أن قضية الاستفتاء لم تعد قضية سياسية فقد تجاوز الجميع جوانبها السياسية وباتت الان قضية قانونية ومن المؤكد أن تصريحات الادارة الامريكية والامم المتحدة حول ضرورة قيام الاستفتاء في موعده سوف تصطدم بهذه العقبة القانونية خاصة وأن الادارة الامريكية والامم المتحدة والمجتمع الدولي بأسره ظل ولا يزال يطالب باستفتاء شفاف قائم علي قواعد وأسس ديمقراطية سليمة وااذا كان الامر كذلك فان اجراء الاستفتاء بهذه المواصفات المطلوبة في ظل الفترة المتاحة الان هو ضرب من المستحيل اذ أنه وحتي لم تم التوصل لطريقة ما لقيام الاستفتاء في موعده عبر تعديل القانون فان الاجراءات لن تكون سليمة وديمقراطية علي الاطلاق!!