تحليل سياسي لا يبدو أن من الممكن إجراء استفتاء جنوب السودان بعد ثبوت إستحالة تزامن استفتاء أبيي معه ، فى ظل تنامي حالة الاحتقان و التهديد بالحرب من قبل الجيش الشعبي فى أبيي. فالجيش الحكومي و على لسان المتحدث بإسمه المقدم الصوارمي، ظل طوال الأسبوع الفائت يحذر من خطورة لعب الحركة الشعبية بالنار فى أبيي ، كما ان القيادي البارز بالحزب الوطني – د. قطبي المهدي – هو الآخر أرسل تحذيراً شديد اللهجة للحركة الشعبية بأن من شأن الضغط العسكري فى أبيي – عبر وجود وحدات هجومية مقاتلة فى وضع إستعداد – أن يعرقل عملية الاستفتاء ، أو يجعل مصيرها مجهولاً. و ما من شك أن الحركة الشعبية – ربما مدعومة من واشنطن – تخطط بالفعل لإحداث أمر ما فى منطقة أبيي المتنازع عليها ، وهو أمر وإن سبق أن عدلت عنه بحسبما قال القيادي فيها دينق ألور بصدور تعليمات صارمة من زعيم الحركة الفريق كير إلاّ انه لا يبدو ان الحركة قد عدلت عن هذه الخطة نهائياً . وقد بدأ يتضح الآن جلياً لكل متابع لهذا الشأن أن موعد التاسع من يناير 2011 لم يعد هو موعد إجراء استفتاء الجنوب السوداني بالإجراءات و القواعد القانونية المعروفة ولتحديد مصير الجنوب ، وإنما بات هو (ساعة الصفر) ، فيما يبدو لإنشاء دولة الجنوب السوداني بالحدود التى تريدها الحركة الشعبية بما فى ذلك منطقة أبيي! لأن الجميع يعلم انه ما من داعٍ يدعو لكل هذه العجلة و الإصرار الغريب على إجراء الاستفتاء كاملاً فى موعده على الرغم من المشاكل و العقبات التى لم تكن مطلقاً من تدبير أحد. فقد ظلت الحركة الشعبية تطلق تصريحات نارية متواصلة بأنها لن ترض بأي تأجيل للاستفتاء فى التاسع من يناير و وقفت خلفها فى ذات المنحي واشنطن ؛ و الأخيرة وصلت الى درجة الاستهانة بالقانون – كما قالت بذلك المندوبة الأمريكية فى مجلس الأمن رايس حين التقت رئيس مفوضية الاستفتاء و استمعت منه إلى المشاكل القانونية التى تعترض قيام الاستفتاء فى موعده ، حيث قالت إنّ لا أهمية للقانون بقدر ما أن المهم هو قيام الاستفتاء فى موعده ! ومؤخراًُ فان الموفد الأمريكي الخاص الى السودان (سكوت غرايشون) هو الآخر مشي وراء رايس حين حذر من ما أسماه رهن إجراءات الاستفتاء بالإجراءات القضائية فى المحاكم السودانية ، مما يشير الى أن الاثنين – الحركة و حليفتها واشنطن – غير عابئتين بالإجراءات و القواعد القانونية ، وأن الموعد هو بالفعل ساعة صفر لقيام دولة جنوبية .و على هذا فان من المحتم إزاء هذا الوضع المتفجر أن يأتي موعد التاسع من يناير كموعد لقيام دولة الجنوب دون التقيد بإجراءات الاستفتاء، ودون التقيد بمعالجة قضايا الحدود و النزاع حول أبيي و القضايا العالقة ، مما يُستشف منه ان الحرب تبدو بمثابة خطة مغلفة بغلاف الاستفتاء ، وأن دولة الجنوب المرتقبة هى فى الواقع محمية أمريكية جديدة !