قضية فلسطين باعتبارها القضية المركزية للصراع العربي- الصهيوني وما رافقها من عدوان صهيوني مستمر كانت في بداياته غلبة أحادية واضحة للجانب الصهيوني. بسبب توفر عاملي السلاح والمساندة الغربية بعد أن عدّ الكيان الصهيوني قاعدة متقدمة للغرب في المنطقة. وإذا انتقلنا إلى الجانب العربي فإننا نجد جبهة واسعة لكنها مشرذمة وضعيفة لا تمتلك السلاح لخوض معركة التحرير رغم توفر الشعار الواحد والراية القومية الواحدة. وهكذا حلت بنا الهزائم المتتالية وما نتج عنها من كوارث. وكانت حرب تشرين التحريرية المجيدة قد وضعت الأساس الموضوعي للمواجهة وكان يمكن لها أن تشكل بداية جادة لمعركة التحرير خصوصاً وأنها أكدت قدرة المقاتل العربي على القتال وأثبتت ما يمكن للتضامن العربي أن يوفره من مقومات لمعركة تحرير ناجحة. صحيح أن منطلق المقاومة العربية كان دفاعياً إلا أنه شهد في فترات متقطعة حالات هجومية على الحدود وفي عمق الأراضي المحتلة. ولكن الرد الصهيوني استهدف القضاء على النهج الجديد في مهده قبل أن يصبح خياراً لجماهير الأمة. وهنا لابدّ من التوقف عند نصر استراتيجي عربي تجسد بتفاهم نيسان 1996 الذي ما كان ليتحقق لولا إرادة المقاومة والدور المركزي الذي لعبته سورية والرئيس الراحل حافظ الأسد والذي اضطر الكيان الصهيوني بموجبه للاعتراف العملي بالمقاومة. وشهد عام 2000 محاولة صهيونية للتخلص من تفاهم نيسان وتداعياته تجسدت في محاولة تدمير الجنوب، وصمد لبنان بشعبه وجيشه ومقاومته ولم ينفع الكيان الصهيوني تفوقه الحربي الكاسح ولم يجده الدعم ا لأمريكي الكامل بعد أن تجسدت الوحدة الوطنية في أجلى صورها وبرزت اللحمة بين الجيش الذي امتلك عقيدة قتالية وطنية واضحة والشعب والمقاومة. وهكذا كان مجرد الصمود انتصاراً حقيقياً للبنان، الأمر الذي دفع جيش العدوان إلى الانسحاب القسري من أغلب مناطق الجنوب. وافترض العدو أن عدوان تموز من شأنه أن يغير قواعد اللعبة لما تضمنه من جرائم في حق الإنسانية وإرهاب عنصري دمر البشر والشجر والحجر هدفه إبادة شعب وتصفية مقاومة. وعمل الغاصب الصهيوني بمشاركة أمريكية ومساندة أوروبية لتحميل المقاومة مسؤولية ما حدث وتجاوبت مع هذا المنطلق قلة لبنانية ولكن كل هذا لم يجد شيئاً، فآلام المخاض التي تحدثت عنها سيئة الذكر كونداليسا رايس وصولاً إلى إعلان شرق أوسط جديد أمريكي الهوى والتوجّه أسفرت عن معادلة جديدة وخريطة جديدة للجغرافيا السياسية في المنطقة رسمها المقاومون بدمائهم واللبنانيون بصمودهم مثبتين خيار المقاومة كخيار وحيد قادر على الصمود والمواجهة وإلحاق الهزيمة بالعدو ومشروعه. وهكذا استمر العدوان 33يوماً تسانده جوقة من العملاء في الداخل تجسدت بشبكات التجسس التي قدّمت خدمات كبيرة للعدو وحرب نفسية.. وإذا كانت الإدارة الأمريكية لا تريد وقف العدوان قبل استسلام المقاومة وتسليم سلاحها إلا أن العدو كان يستغيث مؤكداً أنه غير قادر على متابعة العدوان بعد أن هزمته المقاومة وأسقطت هيبته. وهكذا أجبر العدو على وقف العمليات العسكرية. وعلى الرغم من أن العدو ومن ورائه العالم اعترف بانتصار المقاومة إلا أن بعض اللبنانيين مازالوا غير مقتنعين بأن لبنان قد انتصر, وأن إرادة المقاومين أقوى من إرادة الاحتلال وحماته وأدواته. لقد أثبت فشل العدوان سقوط مقولة أن الكيان الصهيوني قوة أسطورية لا تُقهر وأن العكس هو الصحيح وأنه قابل للهزيمة وهو يعيش منذ فشله في عدوان تموز هاجس تغيير الاستنتاجات والقناعات التي فرضتها هزيمته ويستميت لإثبات العكس وإعادة الاعتبار لقواته وتأكيد تفوقه. ولذلك فإنه يعمل لأن يتجدد ويعيد إنتاج نفسه بشكل أو بآخر شرط ألا يختلف في المضمون والجوهر عن الأهداف التي رسمها لنفسه حين أعلن أن مرحلة إقامة الشرق الأوسط الجديد قد بدأت وصولاً الى تحقيق ثوابت لا تتغير: أمن الكيان الصهيوني، الهيمنة على المنطقة وضرب المقاومة العربية. وتالياً فإننا نواجه مشروعاً أمريكيا متكاملاً، وإذا كان البعض يتوهم أن إمكانات شن عدوان جديد قد تراجعت إلا أنه لا يمكن الركون إلى هذا التحليل لأن الكيان سيسعى عاجلاً أم آجلا للانتقام لهزيمته خصوصاً بعد أن ازداد قلقه من تنامي قوة المقاومة ممثلة بحزب الله وتطوير إمكاناته العسكرية وإمكانية اتساع رقعة المعركة. صحيح أن مؤشرات كثيرة تؤكد القدرة على لجم العدوان الصهيوني ولكن علينا ألا نتهاون في تعزيز إمكاناتنا وقدراتنا مستندين إلى وحدة وطنية راسخة وتلاحم بين الجيش والشعب والمقاومة وتنسيق وتعاون مع أشقائنا العرب وفي طليعتهم سورية وأحرار العالم وفي مقدمتهم الثورة الإسلامية الإيرانية. المصدر: تشرين السورية 25/8/2010