المشير عبدالرحمن سوار الذهب . . من ينسى هذا الاسم النبيل الذي ارتبط بموقف سياسي نادراً ما يحدث في العالم خصوصاً في الوسط العسكري والقريب من السلطة والحكم؟ من ينسى هذا النموذج الدّال بكل شفافية على ارتفاع الإنسان على مصالحه الذاتية وتقدم مصلحة الوطن على أي شهوة شخصية حتى لو كانت السلطة ذاتها والتي لها بريق الذهب . في الخمسين من عمره وبكامل قوته وعافيته كان سوار الذهب عندما تسلم السلطة في السودان في عام ،1985 وبعد عام واحد فقط، وبإرادته، من دون إكراهات ومن دون أزمات دستورية أو انقلاب أبيض أو أسود وقف الرجل أمام نوّاب بلاده في 26 إبريل/نيسان وقال لهم بقلب سوداني وروح سودانية معروفة بالطيبة والتواضع والعفاف . . “ . . هذه أمانة الحكم في البلاد أردّها إليكم . ." . ومن السلطة أو من الحكم انتقل سوار الذهب إلى الحياة المدنية مباشرة، بعيداً عن السياسة وبعيداً عن أضوائها التي تعمي، أحياناً، القلوب والعقول . العسكري الخمسيني المتكئ على أقوى مؤسسة في البلاد ومن شأنها أن تبقيه في كرسي الحكم عقوداً تلو عقود كانت نفسه تغتسل بالثقة والعفاف، فقد جنّب بلاده أية اختناقات سياسية، وبتخليه عن السلطة وبهذه الطريقة “الحريرية" أو السلسة كان يوقّع في كتاب التاريخ السوداني اسم رجل سيكون له كل تقدير واعتبارية ثقافية وأخلاقية لدى الكثير من النخب السياسية والثقافية في العالم كله . نضع نموذج سوار الذهب أمامنا اليوم، ونتحوّل إلى المباراة السياسية الماراثونية المثيرة للأعصاب والجنون في العراق الذي يدخل شهره السادس الآن من دون التوصل إلى حكومة دستورية متفق عليها . . والسبب هو شهوة السلطة والتهافت عليها . نضع نموذج سوار الذهب أمامنا اليوم، ونتحوّل إلى غزة ورام الله حيث لعبة شدّ الحبل المقيتة بين حكومة وحكومة، الشرعية بينهما ضائعة، وبين سلطة وسلطة لا أحد فيهما ينسحب أو يتنازل . نضع نموذج سوار الذهب أمامنا، ونرفع قبعاتنا للعفة السياسية عندما تضع الوطن أولاً وثانياً وثالثاً . . والسلطة آخر همّ . المصدر: الخليج 1/9/2010