تحليل رئيسي لا تبدو الحركة الشعبية و هى تحث خطاها بسرعة نحو إقامة دولة جنوبية منفصلة عن الشمال ، تحسب حساباً للمستقبل! و يسخر غالب غلاة الدعوة الانفصالية فى الحركة من مجرد الإشارة الى مستقبل حركتهم هذا معتمدين اعتماداً مثيراً للإستغراب على حتمية الانفصال. ولهذا فان من الضروري هاهنا ان نحاول التطرق الى ما ظلت و لا تزال تتحاشي الحركة التطرق له، فقد يممت وجهها تماماً باتجاه الانفصال و لم تفترض - ولو بنسبة ضئيلة – ان هناك احتمالاً للوحدة ،و هو أمر غير مألوف فى الحسابات السياسية و ينم عن ضعف فى التقدير و القدرة على حساب الواقع وقراءة المستقبل . وقد تلاحظ اولاً أن توجهات الحركة الانفصالية تتخذ الآن طابعاً دعائياً أكثر من كونه عملاً إحصائياً عميقاً و جاداً ، فالحركة حتى الآن تقول تارة ان مواطني الجنوب يفضلون الانفصال – دون ان تفصح عن أدلتها القاطعة فى هذا المنحي ، و تارة اخري تقول ان مسألة قيام دولتها مسألة وقت كما قال بذلك مؤخراً بواشنطن زعيمها الفريق كير ، و لا يُعرف كيف يكون إنشاء دولة مسألة وقت ،و قرار الإنشاء ليس فى يد الحركة و انما فى يد الناخبين ! هذا المسلك لم تمعن الحركة النظر فيه كعادتها ، لأن السياسة و مهما كانت بائسة و غير موضوعية فهي لا يمكن ان تكون فقزاً فى الظلام ،و الحركة الآن - بمراهنتها على الانفصال كلية - انما تقفز فى الظلام دون شك .و اذا ما انقلب هذا الموقف لموقف معاكس ، أى اختار الجنوب الوحدة فان الحركة سوف تضطر لأحد أمرين كليهما ضار بها بالدرجة الأولي ، فهي إما ان تثير أزمة تعيد الجميع لمربع الحرب ، سعياً لإعادة انتاج الأزمة وقد قالها صراحة أمينها العام باقان أموم حين أشار الى استعداد الحركة للحرب عبر السنوات الخمس الماضية بتسليح الجيش الشعبي و مسابقة الجيش السوداني فى هذا التسليح ، أو أن تنزوي و تصبح حركة سياسية بلا مصداقية و لا حسابات واقعية ، لا تصلح لقيادة اقليم لا نعرف حقائق الواقع فيه . هذا من جهة؛ و من جهة ثانية فان الحركة و فى سبيل تحقيق ما تشتهي من انفصال أحرقت كافة مراكبها السياسية مع كافة القوى السياسية ، بما فى ذلك القوى التى تقاربت معها فى متلقي جوبا ،و ليس أدل على ذلك من زهد الحزب الاتحادي وحزبا الأمة و الحزب الشيوعي فى الاقتراب من الحركة بعدما وقفت هذا الموقف الانفصالي الصارخ. هذا الفقدان للقوي السودانية هو فقدان للمستقبل ،و فقدان للفرص السانحة فى التحالفات ،و هو أمر لا غني لأي قوة سياسية عنه فى بلد كالسودان لا مجال لممارسة العمل السياسي فيه بصورة انفرادية. لهذا كله فان الحركة الشعبية فى الحقيقة تسحب نفسها باتجاه ركن مظلم قصي ، لا يعرف أحد ما اذا كانت قادرة فيما بعد على الخروج منه أم البقاء فيه و الدوران حوله الى ما شاء الله !