، كلمتان تلتقيان أحياناً وتتباعدان غالباً، تكمل الواحدة الأخرى وتتنافران أيضاً . فالاختلاف بين القوة والقوت صغير شكلاً، ولا يتعدى حرفاً نمده أو نُقصره . أما في المعنى، ف"القوت" يمد الناس بالطاقة من أجل الاستمرار في الحياة، بينما “القوة" تقصف أرواح الناس وتقضي على كل معالم الحياة، رغم أن هذه الأخيرة لا يمكن للإنسان أن يتحلى بها من دون القوت اليومي السليم والغذاء الصحي . للأسف، أصبح العالم يهتم بالقوة ويهمل القوت، والسياسة هي المتحكم الرئيسي بغذاء الشعوب وبارتفاع معدلات الفقر والجوع في العالم، وتصرف الدول الكبرى والمسيطرة وتلك التي تحلم بالسيطرة، الأموال الطائلة وتخصص ميزانيات ضخمة من أجل التسلح في زمن السلم، بانتظار حروب “قد" تقع . يأتي اجتماع الأممالمتحدة من أجل الأهداف الإنمائية للألفية الجديدة، ليلقي الضوء أكثر على الاتجاه الذي تسير فيه الدول الكبرى، والذي ينعكس سلباً على الدول النامية والفقيرة . ورغم سعي منظمة “الفاو" إلى الحد من معدل الجوع عالمياً، وقد أطلقت في مايو/ أيار الماضي حملة “المليار جائع" لتحث زعماء العالم على الإسراع باتخاذ إجراءات فعّالة للقضاء على الجوع، وحصلت على توقيع أكثر من نصف مليون شخص حتى الآن على عريضة إلكترونية تطالب صنّاع القرار السياسي بمنح قضية الجوع أولوية قصوى، فإن الخطوات العملية مازالت ضئيلة وبطيئة، ولا تتماشى مع سرعة نمو معدل الفقر والبؤس، حيث بلغ عدد الجائعين اليوم 925 مليون نسمة، أي أنه كسر حاجز المليار بقليل فقط . هذه الأرقام المخيفة ومصير شعوب مهددة بالموت والأمراض، ليس من أولويات الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، التي تنفق على التسلح، ما يقرب من تريليون دولار في العام، أي ما يعادل بالتحديد 60 في المئة من إجمالي النفقات العسكرية في العالم التي بلغت 5 .1 تريليون دولار العام الماضي . إضافة إلى أربع دول أخرى تتناحر على الحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن وهي ألمانيا، واليابان، والهند، والبرازيل، تكاد تلي الدول دائمة العضوية (الولاياتالمتحدة، روسيا، الصين، بريطانيا، فرنسا) في حجم النفقات العسكرية في العالم . بينما أنفقت دول الخليج العربية 123 مليار دولار على ما وصفت بأنها واحدة من أكبر عمليات إعادة التسليح في التاريخ في وقت السلم . لماذا هذا “الاستنفار" والتهويل والحلم بالحرب، في وقت يجب على العالم فيه السعي جدياً إلى السلم وبناء الفكر وتعمير الأرض، وهو ما تدعو إليه الديانات السماوية؟ فحرام أن تخصص المليارات للقتل والهدم، بينما هناك شعوب تموت من الجوع . أليس عاراً ومأساة أن يكون هناك 40% من سكان المنطقة العربية يئنون تحت خط الفقر، وفق آخر تقرير للتنمية الإنسانية العربية، في زمن البذخ والصفقات؟ المصدر: الخليج 23/9/2010