وفقا لتقرير نشرته المنظمة فإن (925) مليون نسمة من سكان العالم يعانون من الجوع وان مائة بلد تحتاج لمساعدات غذائية وثلاثين منها الازمة فيها خطيرة، كانت هذه الكلمات تخرج من مدير عام منظمة الزراعة والاغذية للامم المتحدة جاك ضيوف وهو يخاطب المؤتمر الاقليمى لدول الشرق الادنى الثلاثين ويمضي ضيوف ليقول: إن عدد الجوعى في دول الاقليم والذين بلغوا (37) مليون نسمة 2010م بزيادة (17) مليون نسمة عن العام السابق، وان المنطقة تنتج 160 مليون طن من الغذاء واستوردت 61 مليون طن من المواد الغذائية في عامي 2008-2009م بانخفاض 5 % عن عامي 2006-2007م ، وحول موقف الانتاج الزراعي قال ضيوف انه يجب ان يتضاعف بنسبة 70% في الدول النامية في ظل ان سكان العالم سيبلغون 9.1 مليار نسمة في عام 2050م. طالما ان الاسلام الذي يعالج مشاكل الانسانية جمعاء اصبح بعيدا عن معترك الحياة وبعيدا عن أن يكون هو أساس الدستور والقانون اصبحت مثل هذه المشاكل امرا طبيعيا، فالاسلام بيَّن وفصَّل كيف يحتاط لحدوث مجاعات واذا نشأت بين كيفية القضاء عليها ووضح الاسلام كيف نوفر امنا غذائيا للعالم اجمع. فالأمن الغذائي هو القدرة على توفير الحاجات الاساسية من الغذاء والماء في كافة الظروف العادية وغير العادية كالحروب والحصار والجفاف. وصحيح ان سكان العالم قد تضاعف عددهم منذ الحرب العالمية الثانية الى اليوم الا ان انتاج الغذاء قد تضاعف ثلاث مرات في الفترة نفسها وبالتالي يرى بعض العلماء ان كوكب الارض يستطيع اطعام 47 مليار نسمة بالمستويات الممتازة الموجودة في الولاياتالمتحدةالامريكية و157بليون نسمة بمستويات التغذية في اليابان ويرى علماء آخرون ان الاراضي الزراعية لو استحسن استغلالها لا طعمت 10 اضعاف عدد سكان العالم حاليا اي 60 مليار نسمة وبمستوى استهلاكي مرتفع وذهب علماء آخرون الى مدى ابعد كل ما سبق حين قدروا ان كوكب الارض يطعم 132مليار نسمة وهو رقم كبير جدا اشبه بخيال ، ذلك ان الانسان لم يكتشف ولم يستثمر من طاقة الكون والطبيعة اللذَيْنِ يعيش في كنفهما سوى 1 % رغم ثورات العلوم وقفذاتها في القرن العشرين، نعم ان توفير الغذاء مسئولية عظيمة والامام راع وهو مسئول عن رعيته ومن رعايته توفير الاقوات للناس اولا حتى لا يجوعوا وحتى تبقى الاسواق عامرة بالمواد الغذائية فتستقر الاسعار ويقطع دابر المحتكرين وخاصة الاحتكار العالمي الذي تقوم به حفنة من الرأسماليين ومن باب الرعاية ان يحسب الامام حسابا لاقوات الحروب والقحط العام والكوارث الجسام حيث تقل الزراعة وتضعف امكانية نقل المواد وبما ان حفظ النفس واجب فإن توفير الغذاء واجب لان ما لا يتم الواجب الا به فهو واجب فتحقيق الامن الغذائي يقتضي التالي:- اولا: توفير المواد الغذائية الاساسية عن طريق الانتاج والاستيراد. أ- استغلال الاراضي الزراعية تستخدم فيه كافة الاساليب والوسائل العلمية الحديثة وتشرف على العملية الزراعية مراكز ابحاث تنشئها الدولة. وعلى أي بقعة في الارض ان تزيد من الانتاج الزراعي والحيواني حتى يحصل الاكتفاء الذاتي. ومن الملاحظ ان الدول المتقدمة لديها فائض الانتاج مع قلة مساحتها وكثرة سكانها والدول الفقيرة لا انتاج لها يكفيها مع كثرة اراضيها ووفرة مياهها وقلة سكانها ومن قاعدة ما لا يتم الواجب الا به فهو واجب يتوجب على الدولة ان توفر كل ما يؤدي للاكتفاء الذاتي وزيادة. والامور التي يجب على الدولة ان تقوم بها في هذا المجال وضمن النظام الاقتصادي التي تندرج في جانب منها تحت العلوم وينطبق عليها قوله صلى الله عليه وسلم انتم ادرى بشئون دنياكم والتي يرجع فيها الى اصحاب الخيرة. 1- التوسع في انتاج الارض افقيا وعموديا وقد عالج الاسلام مسألة تعمير الارض بقول الرسول صلى الله عليه وسلم (من احيا ارضا ميتة فهي له ) وقوله ( من كانت له ارض فليزرعها او ليمنحها أخاه). 2- تقديم زراعة المحاصيل المهمة لغذاء الانسان على المحاصيل الاقل اهمية. 3- مقاومة التصحر. 4- انشاء مراكز الابحاث لتحسين البذور والادوية وغير ذلك. 5- تأمين التسويق الزراعي داخليا وخارجيا. 6- الاهتمام بالتصنيع الزراعي والحيواني ، وخاصة ما فيه حفظ للاغذية لمدة طويلة. 7- ايجاد مراعي قال صلى الله عليه وسلم :(لا يباع فضل الماء ليباع به الكلأ ) والاهتمام بتربية الحيوانات وفق احدث الاساليب العلمية. 8- دعم الدولة للمزارعين ومربي المواشي وتأمين ما يلزم لزيادة الانتاج من اعلاف واسمدة. 9- العمل على ايجاد مصادر غير تقليدية للغذاء كالبروتين وحيد الخلية طعاما للحيوانات. اما بالنسبة لتوفير الغذاء عن طريق الاستيراد فإنه جائز شرعا بشرط ان لا يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلا فقد كان المسلمون يشترون الحنطة والشعير والزبيب من نبط الشام سلفا واستيراد الاطعمة له مخاطر كثيرة يجب التنبه اليها والحذر منها . ب - التركيز على المواد الاساسية في الانتاج الزراعي كالقمح والزيوت النباتية والحيواني كاللحوم والحليب ومشتقاته والسمك والبيض. ثانيا: تخزين هذه الاغذية فترة طويلة اى لسنين كتخزين القمح في سنبله او حبا ومجفف التمر والعنب والزيوت واللحوم المجففة والمعلبة والحليب المجفف ويفضل تخزين المواد الغذائية التى وردت فى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم هذا من ناحية دور الدولة فى التخزين اما الافراد فيحثون على تخزين المواد الغذائية في بوتهم والتي يحتفظ بها لفترة اطول كالقمح والزيوت وما يجفف من الثمار واللبن جاء في صحيح مسلم عن عائشة صلى الله عليه وسلم ( لا يجوع أهل بيت عندهم التمر ) وقال صلى الله عليه وسلم ( يا عائشة بيت لا تمر فيه جياع اهله او جاع اهله ) وقد ثبت ان المسلمين كانون يدخرون التمر في زمن الرسول واباحة بيع العرايا خير شاهد على ذلك وقال صلى الله عليه وسلم (كنت نهيتكم عن لحوم الاضاحي فوق ثلاث ليتسع ذو الطول على من لا طول له ، فكلوا ما بدا لكم واطعموا وادخروا) الترمذي وقال عليه الصلاة والسلام (رحم الله امرأ اكتسب طيبا وانفق قصدا وقدم فضلا ليوم فقره وحاجته). ولادخارالمواد الغذائية ضوابط شرعية لا بد من مراعاتها : 1/ ان لا يؤدي ادخار الافراد الى احتكار السلع ، وسحبها من الاسواق قال رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( لَا يَحْتَكِرُ إِلَّا خَاطِئٌ ) وقال :( من دخل في شئ من اسعار المسلمين ليغليه عليهم كان حقا على الله ان يقذفه في معظم من النار يوم القيامة ) . 2/ان لا يكون للناس حاجة فيما يدخر،فلا يدخر الطعام والناس جياع . فادخار الطعام يجب ان يكون من فائض الانتاج . عن خثيمة قال كنا جلوساً مع عبد الله بن عمرو اذ جاءه قهرمان له (الخازن بالفارسية) فدخل فقال : اعطيت الرقيق قوتهم ؟ قال :لا ، قال :فانطلق فاعطهم قال :( قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ). ثالثاً : جعلها في متناول الناس عند الحاجة وخاصة في الحروب والظروف غير الاعتيادية تتولى الدولة تخزين المواد الغذائية ببناء صوامع القمح ومراكز التخزين والثلاجات الكبيرة. رابعا: المحافظة على اسعار المواد الغذائية بعيدة عن القفزات في اسعارها حيث يتعذر على افراد الرعية شراؤها. اما بالنسبة للماء فموارد الماء كثيرة والحمد لله فالأنهار والآبار الارتوازية واقامة السدود في المناطق التي امطارها شتاء والمناطق التي امطارها صيفا ونقل الماء من منطقة الى منطقة اخرى لتفي بحاجات الانسان والحيوان والنبات وتقوم الدولة بايصال الماء الى البيوت، وتشجيع الناس على تخزين الماء في آبار قريبة من بيوتهم، لتكون في متناول ايديهم وخاصة في الظروف القاهرة وترشيد استهلاك الماء واجب لقول النبي صلى الله عليه وسلم «لا تسرف في الماء ولو كنت على نهر جار». خامسا: التوزيع العادل للطعام كما ونوعا ويكون هذا بما يلي: أ_ بالاحكام التي منعت ان يكون المال دولة بين الاغنياء قال تعالى:(كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُم) الحشر7 . ب_ وجوب الاطعام على المسلمين لقوله صلى الله عليه وسلم عن أَنَسُ بن مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا آمَنَ بِي مَنْ بَاتَ شَبْعَانًا وَجَارُهُ جَائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ بِهِ). ولقوله :( أيما أهل عرصة ظل فيهم امرؤ جائع فقد برئت منهم ذمة الله «). اما دول الضرار التي ابتلي بها المسلمون فانها لا تعطي مسألة توفير الغذاء قيمة ، لانها اصلاً لا تعطي الإنسان ذاته قيمة ، فالسودان مثلا يجوع سكانه مع ان قيمة الحليب المراق على الارض يقدر ب700 مليون دولار سنوياً (تقرير الجزيرة 16/8/2008م فكيف يجوع بلد فية 35 مليون رأس بقر بحسب احصائية منظمة الاغذية والزراعة التابعة للامم المتحدة لعام 1998م وفيه 126 رأس من الثروة الحيوانية ولا نجد لها اثراً في غذاء اهل السودان ولا في تصدير اللحم او الحليب ومشتقاته او الجلود ومنذ 34 سنة والفاو ترشح السودان مع كندا واستراليا سلة غذاء العالم لانه يملك 200 مليون فدان من اخصب الاراضي الزراعية في العالم وثروة مائية هائلة من انهار ومياه جوفية وامطار وتنوع في المناخ ولكن سوء السياسة والادارة والرعاية رفعت فاتورة وارداته من المواد الغذائية من 72 مليون دولار سنة 1990م الى مليار دولار ، واذا كانت كندا واستراليا من اكبر مصدري القمح فان السودان من اكبر مستوردي القمح اذ يستورد 2.2 مليون طن سنوياً. هذه حال دول الضرار كلها ،ارض خصبة واسعة ومياه وفيرة وعقول كبيرة وسواعد عاملة ، ولكنها تعجز عن توفير الغذاء في اوقات السلم فكيف توفرها في اوقات الحروب والكوارث الطبيعية ؟! ان الحل يكمن في تطبيق الاسلام واعادته الي واقع الحياة وتنصيب خليفة يسوسنا بشرع الله يطبق احكام الاراضي ويوظف الانتاج الوفير خير توظيف لمصلحة الامة ويزيد من انتاج الامة زراعيا وصناعياً لتستغني عن غيرها ويصبح غيرها محتاجا لها وذلك لا يتم في ظل هذه الدول الكرتونية التي تبنت النظام الراسمالي فازداد الناس بلاء الى بلائهم وافقرت شعوبها حتى وصل اعداد الى تلك الارقام المهولة وانما الذي يطبق نظاماً من شانه ان يسعد البشرية جمعاء وهذا لا يكون الا في ظل دولة الخلافة الراشدة.