تحليل سياسي يبدو فعلاً أن لدي الحركة الشعبية ما تخجل منه او تخشاه إذا ما أعلنت موقفاً رسمياً حيال الوحدة أو الانفصال . فحتى الآن – و نحن على بعد أقل من مائة يوم على الاستفتاء- فان الحركة الشعبية لم تحدد موقفاً سياسياً واضحاً ، والواقع ان هذا نفسه- عدم تحديد موفق رسمي – هو فى حد ذاته بمثابة موقف ضد الوحدة ، او على الأقل عدم التزام بنصوص و روح اتفاقية السلام الشامل التى تحض الطرفين – الحركة و المؤتمر – على العمل من اجل الوحدة. غير ان هذا ان لم يكن أمراً ذا أهمية ، فان من المؤكد ان السلوك الانفصالي (العملي) للحركة الشعبية و إعلان قائدها ان الانفصال مسألة وقت باعتباره حتمياً وإعدادها لكافة مستلزمات الانفصال السطحية كالعلم و نشيد العلم و العملة ، هو مما لم تعد الحركة تستطيع إنكاره او الدفاع عنه ؛ وقد زعم قيادي بالحركة الشعبية يدعي (جورج أندريه) فى برنامج إذاعي بإذاعة أم درمان الحكومية صبيحة الجمعة الفائتة ، ان كل ما يفعله قادة الحركة حتى الآن من تصريحات وتلميحات بشأن الانفصال ،و خطوات عملية للتحضير للدولة المرتقبة هى تصرفات فردية ! و قال أندريه ان المكتب السياسي للحركة حتى الآن لم يجتمع ويقرر تحديد موقفه ! و كان الأكثر مدعاة للسخرية ان أندريه اعتبر حتى ما قاله زعيم الحركة فى اجتماعات واشنطن مجرد تصريحات تعبر فقط عن توجهات المواطنين الجنوبيين ! ولعل أبسط سؤال علينا ان نطرحه فى هذا الصدد هو: ماهو المقياس الدقيق الذى بموجبه قاست الحركة الشعبية نبض الشارع الجنوبي الميّال الى الانفصال ؟ وإذا كانت الحركة (واثقة) من مقياسها هذا وأدركت ان الشعب الجنوبي فى غالبه ميال نحو الانفصال ، ما الذى يخجلها إذن من تبني موقف شعبها هذا والدفاع عنه طالما انها تعتبر نفسها معبرة عن تطلعات هؤلاء المواطنين الذين منحوها ثقتهم و انتخبوها ؟ ان أكثر ما يهدم هذا المنطق الأجوف هو ان ذات القيادي أندريه حين شعر بقوة المنطق الذى يجابهه ، قال ان حركته مرتبطة باتفاق مع المؤتمر الوطني بشأن علمانية الدولة لتكون هذه العلمانية هى الطريق للوحدة ! و كانت تلك هى ثالثة الأثافي لأن اتفاق كهذا – اذا صح ما زعمه أندريه – كان كفيلاً فى حد ذاته لحل الأزمة منذ العام 2005 إذ ما الحاجة بعد هذا الى إقامة استفتاء ، بل ما الحاجة الى بنود اتفاقية وفترة انتقالية اذا كانت الوحدة مشروطة بعلمانية الدولة المتفق عليها ؟ ان مثل هذه المزاعم هى محاولات من بعض قادة الحركة الشعبية لتبييض وجوههم أمام بعض الساسة الشماليين المنتمين للحركة ومحاولة ايضاً للبحث عن أعذار ،و إلقاء باللوم على الطرف الآخر ؛ وفى الحالتين فان الحركة تخشي من اعلان الموقف الصريح لها و تبحث عن ذرائع جعلتها فى موقفها الانفصالي هذا ، غير ان مخاطر هذا الموقف والسلوك الغرب لا تقف فقط عند حد ماهو ماثل الآن من تذبذب و غموض فى مواقف الحركة و لكنها تتجاوز ذلك الى ما هو أسوأ ، حين تفاجأ الحركة بنتيجة استفتاء تصطدم بما كانت تعقد عليه آمالها ! وقتها سيكون عليها ان تجد حلاً لنفسها و لمن بذلت لهم الوعود و عقدت لهم العقود .