امس، نشرت صحيفة "الشرق الأوسط" تقريرا عن آخر ضحايا اللوبي اليهودي في أمريكا. يتعلق الأمر بريك سانشيز، المذيع في محطة سي إن إن التليفزيونية الامريكية. الذي حدث ان سانشيز تحدث في لقاء تليفزيوني عن سيطرة اليهود على قيادة محطة سي إن ان، وعن سيطرتهم على الاعلام الامريكي عموما، وقال ان اليهود ليسوا من الأقليات المضطهدة في امريكا. وتحدث ايضا عن العنصرية في امريكا بصفة عامة وكيف انه هو شخصيا، وهو من اصل كوبي، كان ضحية لهذه العنصرية. والذي حدث انه في اليوم التالي مباشرة لإدلائه بهذه التصريحات، تمت اقالته من عمله في ال سي ان ان. طبعا، لسنا بحاجة الى القول ان ما تعرض له المذيع هو اضطهاد واجراء عنصري فج. هذا على الرغم من ان ما قاله ليس الا مجرد رأي. وهو رأي صائب تماما كما نعلم. وكما نعلم، فان ما جرى له ليس الا اجراء آخر من اجراءات عنصرية كثيرة شبيهة شهدتها ساحة الاعلام في امريكا. وهذا الذي جرى يأتي كي يلفت الانظار مجددا الى عدد من حقائق الاعلام والسياسة في امريكا، مع انها معروفة الا انه ينبغى التذكير بها باستمرار، هي حقائق تعنينا في العالم العربي والاسلامي، كما تعني الامريكيين. أول هذه الحقائق بطبيعة الحال، تتعلق بتلك السيطرة والسطوة الرهيبة للوبي اليهودي في امريكا. هذه السيطرة، وان كانت معروفة عموما، الا ان مثل هذه الوقائع تأتي لتبين انها تبلغ ابعادا رهيبة. فالحادث ان اللوبي اليهودي في امريكا يقتل عمليا كل القيم التي طالما يتغنى بها المسئولون الامريكيون ويعتزون بها. يقتل قيم الحرية والتسامح واحترام الآخر. اللوبي اليهودي يقتل هذه القيم بلا رحمة وبلا تردد، ومع هذا، لا يجرؤون في امريكا على تحدي ما يفعله هذا اللوبي، او الاعلان صراحة عن رفض مثل هذه الاجراءات العنصرية الفاشية القبيحة مثل ما حدث لمذيع ال سي ان ان. وقد يقول البعض ان مثل هذه الأمور تتعلق بشئون داخلية امريكية، وانه في امريكا، مثلما في أي دولة وفي أي مجتمع واي تجربة، هناك الامور الايجابية والامور السلبية، ولا يستدعي الامر كلما حدث امر سلبي التوقف عنده والحديث عن ابعاده. وبشكل عام، هذا صحيح. لكن المشكلة مع امريكا، انها هي التي تجعل هذه القضايا الامريكية قضايا تهم العالم كله. فأمريكا تصر دوما على ان تتدخل في شئون الدول الاخرى، وخصوصا بالطبع شئون دولنا العربية والاسلامية. امريكا لا تكف عن ان تعطي دولنا ومجتمعاتنا دروسا في ضرورة احترام الحريات وفي التسامح .. الى آخر هذا الكلام. بل انها كما نعلم، لم تتردد في ان تقدم على اكثر جرائم الحرب وحشية، مثل غزو واحتلال العراق، وتبرير ذلك بدواعي نشر الحرية والديمقراطية. والأمر هنا باختصار ان الأمريكيين لم يكن لهم في أي يوم من الايام أي حق في ان يعطونا هذه الدروس او يحدثونا عن الحرية والتسامح والقيم الديمقراطية. كيف يكون لهم أي حق، وهم عاجزون عن حماية هذه القيم والدفاع عنها في داخل امريكا، ويرضخون لأبشع صور الممارسات العنصرية الفاشية على نحو ما نتابع بشكل منتظم؟ في هذا السياق، أشير الى تحليل عميق مهم للكاتب الامريكي نيكولاس كريستوف نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" في مطلع شهر سبتمبر الماضي. كتب هذا التحليل محاولا تفسير الحملة العنصرية الامريكية ضد الاسلام والمسلمين كما تجلت في الموقف من قضية المركز الاسلامي في نيويورك. الذي يهمنا هنا هو الخلاصة التي يصل اليها في تحليله. يقول في نهاية مقاله نصا: "ان الامريكيين دأبوا باستمرار على مطالبة المعتدلين في الدول الاسلامية بأن يرفعوا اصواتهم في مواجهة المتطرفين، وان يدافعوا عن قيمة التسامح التي يؤمنون بها. لكن يجب علينا نحن الامريكيين ان تكون لدينا الشجاعة لأن نفعل هذا في داخل بلادنا". وهذا هو الامر فعلا. الشعب الامريكي أولى بالمعروف الذي تتحدث عنه امريكا.. أولى بأن يتعلم قيم الحرية والتسامح وان يتعلم كيف يدافع عنها. المصدر: اخبار الخليج 4/10/2010