قبل نحو عامين استولى القراصنة الصوماليون على سفينة أوكرانية وجدوا على متنها ثلاثين دبابة واقتادوها إلى الساحل الكيني . وعلى خلفية المساومة بين القراصنة والحكومة الكينية تلقت مجموعة القراصنة فدية مالية. كينيا لم تكن المحطة الأخيرة لشحنة الدبابات التي أنزلت من السفينة . فكما ثبت لاحقا فإن الشحنة نقلت عبر الحدود إلى أراضي جنوب السودان. فالحكومة الجنوبية التي تحتكرها قيادة «الحركة الشعبية» هي الطرف المشتري .. ولم تكن الحكومة الكينية سوى وسيط بثمن. صفقة السلاح هذه ليست الأخيرة فحكومة الجنوب السوداني تنفق ما يربو على 60 في المائة من دخلها السنوي من عائدات النفط التي تتقاسمها الحكومة المركزية في الخرطوم على جيش «الحركة». وبما أن الجزء الأعظم من المشتريات يتكون من اسلحة ثقيلة - بما في ذلك طائرات عسكرية - فإنه ليس من المعقول تصديق ادعاء الحكومة الجنوبية بأن هذا التسليح الثقيل هو لأغراض الأمن الداخلي فقط.لا يكاد ينقضي أسبوع بعد أسبوع دون أن يطلق رئيس سلطة الحكم الذاتي في الجنوب الفريق سالفا كير ميارديت (وهو في الوقت نفسه الرئيس السياسي للحركة الشعبية وقائد جيشها) تصريحا ناريا ذا نغمة استفزازية للشمال السوداني. والسؤال الذي ينبغي أن يطرح هو : هل تستعد الحركة الشعبية الجنوبية لإشعال حرب ؟ ولماذا ؟ كما هو معلوم فإن من المقرر إجراء استفتاء عام في يناير المقبل يقرر من خلاله أهل الجنوب مصيرهم السياسي النهائي باختيار إما استمرار الوحدة مع الشمال أو الانفصال كتمهيد لإقامة دولة مستقلة . فما هي الغاية أو الغايات التي تريد الحركة الشعبية تحقيقها. إنها تريد أولا خيار الدولة المستقلة .. وثانيا - وهذا هو الأهم - أن ينتقل احتكارها لسلطة الحكم الذاتي الحالية إلى سلطة الدولة المستقلة الجديدة. لكن تصور الحركة - وهذا هو الخطير فعلا - لا يقتصر على تحويل الجنوب إلى دولة مستقلة . إنها تريد لهذه الدولة أن تتسع رقعتها الجغرافية الأرضية لتشمل مناطق في الرقعة الشمالية . وهذه المناطق تحديدا هي منطقة جنوب النيل الأزرق ومنطقة جبال النوبة ومنطقة أبيي. قيادة الحركة تعلم أن مثل هذا الهدف لا يتحقق بالوسائل السلمية . من هنا ينبع عزمها على ابتدار حرب مع الشمال للاستيلاء على تلك المناطق بالقوة الغاشمة وبالتالي إقامة أمر واقع أمام الحكومة المركزية. لكن باعتناقها هذا الطموح الجموح تنسى قيادة الحركة شيئين : أولا : أنه عندما دخلت الولاياتالمتحدة في عام 2000 على خط مشكلة الجنوب إنما تدخلت من أجل وقف الحرب عندما ثبت لها أن جيش الحركة الشعبية كان على وشك تلقي الهزيمة العسكرية الحاسمة. ثانيا : لأن الحركة لا تمثل سوى قبيلة واحدة في الجنوب (الدينكا) فإن من المؤكد أن تندلع في الجنوب حرب أهلية قبلية لن تتيح للحركة الدخول في مغامرة حربية خارجية. المصدر: الوطن القطرية 11/10/2010