القمة العربية الأفريقية التي انعقدت في أعقاب القمة العربية في سرت بليبيا، جاءت بعد طول انقطاع بين العرب وأفريقيا دام عدة عقود، مما دفع القوى الاستعمارية الغربية أن تسرح وتمرح في أفريقيا التي يسكنها ثلاثة أرباع حجم السكان من العالم العربي، وتشكل الدول العربية نحو عشرين بالمائة من سكان أفريقيا .. هذا الانقطاع أدي الى وجود إسرائيلي مكثف في مناطق مهددة للمصالح العربي، خاصة في مجالات المياه والزراعة والتجارة .. وصار العالم العربي مهدداً بصورة خطيرة ومحارة، بدول استطاعت إسرائيل أن تهجنها، وتحقق لها مصالح مشتركة معها.. مثل جولة وزير الخارجية الإسرائيلي قبل عدة أشهر في دول أفريقية، يمكنها أن تتحكم في مصادر مياه النيل مثل أثيوبيا التي تصدر ثمانين بالمائة من إيرادات النيل، ويوغندة، وكينيا، ورواندا، وبورندي، وتنزانيا وجمهورية الكنغو .. وهذه المناطق جميعها تواجه العديد من المشكلات الاقتصادية، والحروب، والأمراض والمجاعات .. وهي بحاجة الى مدير العون، والعمل الاستثماري للأموال العربية، ولن تكلفنا تلك الا مجرد رؤية إستراتيجية لمستقبل العلاقات العربية الإفريقية. فالسودان دولة تواجه الكثير من المشكلات التي تهدد وحدة أراضيه، ومستقبل وجوده كدولة عربية أفريقية ذات أهمية خاصة، لدي العالمين العربي والأفريقي بل والإسلامي .. وكدولة وسط بين العروبة والأفريقانية، وتجد القبول من معظم دول القارة، خاصة الناطق بالانجليزية بفضل اللغة وأواصر الدم .. اللون وإمكانية الاندماج نتيجة لعوامل كثيرة كما ذكرت .. فالسودان له وضع خاص في أفريقيا، حيث أنه ظل مصدراً مهماً لحركات التحرير الإفريقية، وحاضناً حقيقياً لذلك، ومعيناً للثوار الأفارقة، ابتداء من أشهر مناضل في العالم هو نيلسون مانديلا، الذي انطلق بثورته ضد الفصل العنصري، والاستعمار الاستيطاني، انطلاقاً من خرطوم اللاءات الثلاث عقب نكسة يونيو 67.. والمصالحات العربية التي سبقت تلك النكسة وكانت سبباً فيها .. مما أحيا الروح التضامنية العربية، وجمع شمل العرب وحقق نصر أكتوبر العظيم على جيش كان يوهم العالم بأنه الجيش الذي لا يقهر، وكان الرئيس عمر البشير الذي شارك كضابط في القوات السودانية المشاركة في المعركة، واحداً من القادة العرب الآن، من الذين شاركوا في حرب النصر علي العدو الإسرائيلي. السودان الذي ظل يشكل عنصر الالتئام العربي مع أفريقيا، وعنصر التضامن العربي يتعرض إلى الاستهداف الصهيوني في أمنه، واستقراره، ووحدة أراضيه، ويكاد الصهاينة والمستعمرون الغربيون يبلغون غاياتهم عبر فصل جنوب السودان الذي رسموا خارطته في بداية القرن العشرين، عندما جمعوا الجيوش وأعادوا استعمار البلاد ووضعوا لبنة الحزام الذي يحول دون الحركة الطبيعية للعلاقات العربية الأفريقية .. السودان مهدد بانفصال الجنوب.. بل هناك احتضان حركات متمردة أخرى في جزء آخر من السودان هو دارفور.. هذه الحركات لا تملك أرضية، ولا قدرات، ولا رؤية شاملة، لمصالح الشعب السوداني إقليم دارفور وما يليها من إقليم، إذا ما قدر للمستعمرين تحقيق أجندتهم في فصل جنوب السودان عن شماله، وهي منطقة سودانية عبر آلاف السنين، وهذا ليس في مصلحة الإستراتيجية العربية، التي يمكنها أن تضبط كل ذلك بواسطة تطبيق الرؤية العربية في إفريقيا، عبر الاقتصاد والثقافة، إذا تركنا عامل الدين جانباً، رغم أهميته وضرورته .. ومعلوم أن الإسلام منتشر في أفريقيا ويشكل الدين الغالب .. ولكن بلا فعالية ولا أثر، بسبب الحجر المفروض على المنظمات الإسلامية من العمل في المجالات الإنسانية والدعوة ونشر الثقافة العربية. حروب قبلية تعم المنطقة في يوغندا –(جيش الرب) – وفي الكنغو .. والمشكلات الاقتصادية تحرق الشعوب في أثيوبيا وكينيا .. الصومال تلك الدولة العربية عضو الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، تعيش حالة من التمزق والحريق، علي كل شيء حتى لم يعد يعيش بداخلها سوى حملة السلام والقراصنة، وآن الأوان لقيام وساطة عربية إسلامية توقف اقتتال أبناء الصومال يدمرون وطنهم بأيديهم لتبقي موارد بلادهم لوقت يتمكن فيه المستعمر من العودة على حصان طروادة، ويحولها الى رصيد للصهاينة بعد سنوات تكون قد أنهكت شعب الصومال وأعجزته عن الحركة .. اريتريا انسحبت من الجامعة العربية دون مبررات مقنعة واكتفت بعضويتها في المنظومة الإفريقية.. أثيوبيا دولة ذات أهمية مقدرة .. عدد سكانها يفوق الثمانين مليون نسمة، لديها ثروات مهمة على رأسها المياه والطاقة .. وكل هذه الدول تجاور السودان واسطة أفريقيا السوداء والعالم العربي أسوده وأبيضه .. والمطلوب اليوم المضي قدماً في تمتين العلاقات العربية الإفريقية .. وتحويل أفريقيا إلى إقليم متكامل أراضاً وشعوباً واقتصاداً، داعماً لقضايا العرب في المحافل الدولية، وهو أمر ليس بالعسير .. وقد بدا بهذه القمة بإقرار المبدأ .. وهناك عمل يجري، ولكن دون تحديد أهداف، حيث الوجود العربي في إفريقيا، والمشاركات، والشراكات المتمثلة في التجمعات الاقتصادية، مثل الإيقاد، والكوميسا، والاتحاد الإفريقي، وتجمع دول الساحل والصحراء – (س ص) – ومنظمة المؤتمر الإسلامي .. فإذا دققنا النظر وأمعناه فبالإمكان تحويل القارة الإفريقية إلى صفنا، وإلا فإن الصهيونية تمضي في عمليات التضليل واللعب بمصالح الأفارقة والعرب في وقت معاً. نقلاً عن صحيفة آخر لحظة 13/10/2010م