الشيء الذي صار الأكثر سخافة، هو التصريحات والتراشق بالتهم، بين شريكي الحكم، المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، وصار باقان أموم، كطائر الشؤم الذي عناه د. فرانسيس دينق في كتابه الأشهر، فما أن يظهر باقان تحت مساقط الأضواء أو يدلي بتصريحات لوسائط الإعلام، إلا وأيقن الناس، أن عطر منشم قد دق بين الشريكين، ولا أمل في أن يقول باقان خيرًا أو يسكت، فهو من أكثر دعاة الفتنة ومثيري الضغائن والإحن على طول هذا المشهد السياسي الراهن وعرضه، ويملك خاصية باهرة في بذر بذرة الخلاف، حتى وإن لم يوجد، فإنه يخترع أسبابه. في تصريحاته الأخيرة أول من أمس، أكد أن الحركة والمؤتمر الوطني، وصلا لطريق مسدود وعلقت الحركة حوارها مع شريكها ولوّحت باللجوء للإيقاد، وهو يعني في الأصل شركاء الإيقاد، وهذا تطور خطير للغاية في حال اللجوء إليه، لأنه يضع الجميع عند حافة الهاوية، ويعني بالفعل فشل الآلية الثلاثية (المؤتمر الوطني+ الحركة +الولاياتالمتحدة)، وهي آخر محاولة لطي الخلافات، ويترتب على ذلك تعقيدات لا حد لها أهمها أن الانتخابات قد لا تجرى في موعدها المرسوم في أبريل القادم، وتتعطل خطوات كثيرة للخروج من دائرة الحوار المأزوم والنقاط الخلافية. برأسه يطل سؤال مركزي، لماذا صدر هذا القول من الأمين العام للحركة، وأوقفت الحركة حوارها مع شريكها ولماذا التلويح باللجوء للإيقاد..؟؟!! الإجابة بالطبع سهلة للغاية، فالحركة في إدمانها لإثارة دخان الخلافات، تريد عكس اتجاه الأحداث والوقائع اليومية المفضية نحو الاستحقاق الانتخابي، ولا تبدو راغبة في قيام هذه الانتخابات، التي ستكشف لها حجمها الحقيقي ووزنها الشعبي وصورتها التي بدأت تتآكل بسرعة لدى الرأي العام وعامة الشعب، فالأفضل لديها كما تظن، أن لا تمضي الأمور على طبيعتها، ولذلك تفعل كل مايبدو لها، لتسميم الأجواء، وإدعاء الخلاف العميق، لتوليد واقع جديد يقوم على حقائق مغلوطة غير صحيحة وجر الأوضاع الداخلية إلى منزلق جديد، لا يعرف أحد مداه ونتائجه. وتستند الحركة في محاولاتها لتعويق التطور الدستوري القادم، على جملة أباطيل وإدعاءات لا سند لها، تتلخص في الآتي: 1/ عدم التوصل لاتفاق حول القوانين، وهذه قضية مارست الحركة فيها أنواعاً من التضليل، فالقوانين كقانون الأمن الذي ينتظر الإجازة النهائية من البرلمان لا علاقة له بصورة مباشرة بالتحول الديمقراطي، ولايمكنه رهن كامل القانون الذي ينظم عمل أحد أجهزة الدولة وطبيعة هياكله، بجزئية صغيرة، لا توجد سابقة في العالم لا تجوز لجهاز الأمن سلطات التحفظ والاعتقال في إطار ضبط القانون وأحكامه. ثم أن القانون نفسه لم تعترض عليه الحركة في مراحل إعداده، أو عند إجازته في مجلس الوزراء حتى تم الدفع به للبرلمان. 2/ قضية الاستفتاء ومايتعلق بالمشورة الشعبية، كان الخلاف حول الاستفتاء في النسبة المجوزة للانفصال، ثم حق الجنوبيين في المشاركة فيه أياً كانت مناطق تواجدهم وسكنهم، وحسم اجتماع اللجنة العليا المشتركة التي يترأسها من المؤتمر الوطني نائب رئيس الحزب الأستاذ علي عثمان محمد طه، ومن جانب الحركة الدكتور رياك مشار نائب الرئيس في تنظيم الحركة الشعبية، ورغم ذلك وبعد الاتفاق، خرج باقان أموم وطعن في قرار اللجنة وإتفاقها، ومارس ضغطاً على قيادة الحركة لنسف ما اتفق عليه، وكان ذلك «فيتو» نقض مافعله د. رياك مشار في اجتماع اللجنة. أما قضية المشورة الشعبية، فهو خلاف حول مفهوم المشورة وتفسيراتها وكيفية التعاطي مع نص الاتفاقية في هذا الصدد، ولم تستنفد الفرص لمواصلة التشاور بين الطرفين حول قضية المشورة الشعبية لمنطقتي جبال النوبة وجنوب النيل الأزرق. يتضافر مع كل هذا، مقاطعة نواب الحركة الشعبية في فعل صبياني، لجلسات البرلمان، وتداعيات هذه المقاطعة والجدل حولها والإجراءات التي اتخذت لائحياً حيالها في المجلس الوطني. من هنا فإن خلاصات هذه التطورات الجديدة تقود لإحتمالين لا ثالث لهما، في حالة لجوء الحركة للإيقاد مرة أخرى، فذلك يعني إعطاء الضوء الأخضر لمراجعة كل اتفاقية نيفاشا المشؤومة، وفتح بروتكولاتها التي أعطت الحركة ما لا تستحق، وسيكون ذلك وبالاً عليها وعلى قادتها أمثال باقان أموم الذين لم يقدِّروا المسؤولية ولا تحمّلوها بجدية لتحقيق الاستقرار والأمن والسلام في البلاد، وعند مراجعة الاتفاقية أو الاحتكام مرة أخرى للإيقاد، فإنه لا شيء يمنع من طرح كل شيء للعودة للمربع الأول. الاحتمال الثاني أن الحركة تحاول الضغط على المؤتمر الوطني بتصعيد لهجتها الإعلامية وتهديده لكي يرضخ لها ويلين، فإذا لم يحدث ذلك ولم يستجب المؤتمر الوطني للاستفزاز وفضل التمسُّك بما يراه صائباً فما الخيار إذن أمام الحركة سوى التعامل بموضوعية والتفاهم مع شريكها دون صمدية الرأي والأجندات.. وكل شيء متاح ووارد.. نقلاً عن صحيفة الانتباهة السودانية 3/12/2009م