أسئلة وجدل واسع يدور حول حقيقة الخلافات المتصاعدة بين روسيا وحلفائها، وخاصة إيران والجارة الشقيقة بيلاروسيا التي تعد أقرب دولة لروسيا، وبين البلدين مشروع قائم على وشك التنفيذ حول دولة اتحادية كونفيدرالية تجمعهما. فلم تمض أيام معدودة على المرسوم الذي وقعه الرئيس الروسي ميدفيديف بمنع تصدير الأسلحة لإيران، وخاصة منظومة الصواريخ الدفاعية (إس ؟ 300)، وهو المرسوم الذي أقام الدنيا ولم يقعدها حتى الآن، حتى صدرت تصريحات من الرئيس ميدفيديف غاية في الحدة، تجاه رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشنكو، والذي يعد الحليف الأول لروسيا. حيث قال ميدفيديف إن «القيادة البيلاروسية أعلنت روسيا واحدا من الأعداء الرئيسيين»، وأضاف «إن العلاقات بين روسيا وبيلاروسيا بات يشوبها التوتر، بسبب سلوكيات القيادة البيلاروسية التي تجاوزت الحدود»، وأشار ميدفيديف في حديثه إلى أن الأمر يهدد الوحدة بين البلدين. ورد الرئيس لوكاشنكو على هذه الاتهامات، قائلاً «إن وسائل الإعلام الروسية تنشر أكاذيب عنه، بإيعاز من فريق الرئيس ميدفيديف». مثل هذا التصعيد دفع البعض للتساؤل؛ لماذا يتصرف الرئيس ميدفيديف بهذا الشكل مع أقرب حلفاء روسيا الاستراتيجيين، مثل إيرانوبيلاروسيا؟ وهل غيرت روسيا بوصلتها السياسية نحو الغرب وواشنطن؟ وما هو موقف رئيس الوزراء فلاديمير بوتين من تصرفات الرئيس ميدفيديف هذه؟! الجدل كثير الآن على الساحة حول هذه القضية، ولكن ما يزيد من حدة الجدل والغرابة في الأمر، هو أن العلاقات بين روسيا وكل من إيرانوبيلاروسيا لم تتأثر بأي شيء من جراء هذه التصريحات. ولا يصدق أحد أن روسيا لن تعطي إيران السلاح المتفق عليه بينهما في حالة تعرض الثانية لتهديدات فعلية، وكأن هذا السلاح مؤجلا تسليمه فقط، وليس محظورا على إيران، ويستدل البعض على ذلك بما يقال عن التدريبات التي يقوم بها عسكريون إيرانيون على هذه الأسلحة في روسيا. أما بالنسبة لبيلاروسيا فإن الأمر أكثر وضوحا، حيث ان العلاقات بين البلدين تسير بشكلها الطبيعي تماما، دون أي تأثر بتصريحات الرئيس ميدفيديف، والتي لم تنعكس سلبا على التعاون العسكري بين البلدين، حيث انه في اليوم التالي مباشرة للتصريحات. قدم وزير الدفاع الروسي أناتولي سيرديوكوف شرحا مفصلا لاتفاقية التعاون العسكري بين البلدين خلال جلسة مجلس الوزراء، وقرر المجلس إحالة الاتفاقية دون تعديل، للرئيس ميدفيديف الذي وقعها وقرر إحالتها فورا إلى البرلمان للمصادقة عليها. ولو كانت الخلافات بين البلدين بالدرجة التي تصورها تصريحات الرئيس ميدفيديف الغاضبة، لما تعجل مجلس الوزراء في تحويل هذه الاتفاقية إليه في اليوم التالي من التصريحات، ليوقعها ويأمر بالتعجيل بإحالتها للتصديق عليها من البرلمان. وفي اليوم ذاته أيضاً كان هناك حدث آخر، حيث وقع وزيرا نقل بيلاروسيا وروسيا اتفاقية مراقبة السيارات على الحدود الخارجية لدولة الوحدة بين البلدين. وعلق وزير النقل البيلاروسي إيفان شيربو على توقيع الاتفاقية قائلاً «إن الحدود بين بيلاروسيا وروسيا لم تعد قائمة، وجميع وسائل النقل السائرة على أراضي البلدين ستوضع تحت المراقبة الجمركية الموحدة على الحدود الجمركية لدولة الوحدة». القول بأن موسكو لا تريد التعامل مع الرئيس البيلاروسي لوكاشنكو، غير صحيح بالمرة، فمن المعروف أنه لا توجد لديها خيارات أفضل داخل بيلاروسيا، كما أنه لا أحد يستطيع التشكيك في ولاء لوكاشنكو الكامل للكريملين في موسكو، وهو الأمر الذي لا يخفيه هو نفسه في أحاديثه لوسائل الإعلام. هذا بالإضافة إلى أن الخلافات بين البلدين ليست واضحة وغير محددة، ولوكاشنكو لم يرد على ميدفيديف الهجوم، بل وجه هجومه للدوائر المحيطة بالرئيس متهما إياها بأنها وراء تصعيد الخلافات، وكأن الأمر كله خلافات شخصية بين الرئيسين، لا دخل للعلاقات بين البلدين فيها. الحقيقة أن تصرفات الرئيس الروسي تجاه إيرانوبيلاروسيا محيرة للغاية، وما يزيد الأمر حيرة هو عدم صدور أي تعليق من رئيس الحكومة بوتين، حتى وإن كان الأمر ليس من اختصاصاته كرئيس للوزراء، ولكنه هو مؤسس العلاقات مع البلدين، ولم يتعود الشعب صمته عند تصعيد الأمور. ومن السذاجة تصور وجود خلافات بين رأسي السلطة، ميدفيديف وبوتين، لكن هناك سؤالاً مهماً نطرحه هنا ونجيب عليه فيما بعد؛ هل هناك رابط مشترك بين إيرانوبيلاروسيا، خاصة في ما يتعلق بمنظومة الصواريخ (إس ؟ 300) التي دار جدل واسع من قبل حول أن إيران ستستلمها من بيلاروسيا؟ نقلاً عن البيان الاماراتية 14/10/2010م