وافق السودان على مضض على إجراء الاستفتاء في موعده المحدد سلفاً في التاسع من يناير المقبل.. قد يكون ذلك بناء على الضغوط الأمريكية المتسارعة، وقد يكون استناد صناع القرار في السودان على قناعة راسخة بأن المماطلة أو التلكؤ في إجراء وتنظيم الاستفتاء في موعده سوف يعود على البلاد بعواقب وخيمة أقلها خطراً إفساح المجال للقوى الدولية المتأهبة لمزيد من التدخل في القُطر المهدد بانفصال شطره الجنوبي، واشتعال الحرب من جديد بين الأشقاء الذين وطد التاريخ والجغرافيا آصرة القربى بينهم. فقد جاءت موافقة السودان النهائية على إجراء الاستفتاء في موعده بعد مضي ساعات على زيارة وزير الدفاع السوداني للقاهرة ولقائه بالرئيس المصري حسني مبارك.. والتي لمح فيها الوزير السوداني بأن المنطق ومجريات وتطور الأحداث تشيران إلى أنه من غير الممكن تنظيم الاستفتاء في التاسع من يناير قبل إيجاد حلول ناجعة للقضايا العالقة والمتمثلة في ترسيم الحدود، ووضع منطقة أبيي. مصر المنهكة بقضاياها الداخلية: الانتخابات وقضايا التوريث، هبت بإرسال وزير خارجيتها أبو الغيط ورئيس الاستخبارات عمر سليمان في محاولة لتأكيد دور مصر إزاء السودان الذي يمثل عمقها الاستراتيجي.. غير أن مصر التي غابت أو تم تغييبها في محادثات نيفاشا التي انقضت إلى اتفاقية السلام الشامل لا يتوقع أن يكون لها دور محوري في دعم التماس السودان تأجيل الاستفتاء.. كما أنها تتحسب أو قد تحسبت لتثبيت موقفها للوقوف على مساحة واحدة بين الشريكين في الأوضاع المؤكدة التي تشير إلى انفصال جنوب السودان. كما أنه لم تمض ساعات قلائل على زيارة وزير الدفاع السوداني للقاهرة، والزيارة المسرعة للوفد المصري للسودان، حتى كشفت وزارة الخارجية الأمريكية عن وجود أقمار تجسس فضائية تراقب الحدود بين الشمال والجنوب تحسباً لتحركات بين الطرفين.. ألا يمثل ذلك تهديداً رمزياً ومادياً؟ وإضافة إلى الضغوط الرمزية التي تمارسها الإدارة الأمريكية على السودان بإجراء الاستفتاء في موعده، فقد هب جون كيري المرشح الرئاسي السابق، ورئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ بزيارة للسودان يوم الخميس الماضي استمرت لثلاثة أيام.. وعلى الرغم من أن زيارة كيري للسودان كانت تهدف إلى مساعدة الشمال والجنوب في إيجاد طرق سلمية نحو المستقبل، إلا أن تصريحاته لا تخلو من تهديد ووعيد. وتتداعى مشاهد التهديدات الأمريكية للسودان بإجراء الاستفتاء في موعده وقبول نتائجه.. حيث أكد المبعوث الأمريكي للسودان سكوت غرايشون اهتمام الولاياتالمتحدة بتنفيذ جميع بنود اتفاقية السلام الشامل في السودان، وإجراء الاستفتاء لتحديد مصير جنوب السودان.. وقال: "نحن ملتزمون باستخدام كل الآليات المتاحة لنا لتطبيق كامل لاتفاقية السلام" فأي تهديد أخطر من ذلك؟ وتتجه أنظار السودانيين والمراقبين إلى العاصمة الأثيوبية أديس أبابا التي تستضيف جولة جديدة من المباحثات بين شريكي نيفاشا يوم الأربعاء القادم.. وتأتي جولة المفاوضات الجديدة بعد أن أخفق الجانبان في التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن تسريع حل أزمة أبيي. الآن ومع إعلان الجدول الزمني للاستفتاء، فإن هامش المناورة للحكومة السودانية والحركة الشعبية بات ضئيلاً للغاية.. ومع ذلك، فإن المؤتمر الوطني – الحزب الحاكم – يتكتك.. والحركة الشعبية تتشيطن كعادتها.. والإدارة الأمريكية تتشبث بالانفصال وتشتيت ذوي القربى عن طريق استراتيجيتها التليدة في لي الذراع.. وكسر العظم. غير أن إجراء استفتاء جنوب السودان في موعده، قبل إنهاء استحقاقات رسم الحدود، ووضع منطقة أبيي، بحاجة إلى تشبيك واشنطن وإلى لاعب شطرنج ماهر، وإلى شيطان أعرج، وأعسر وأعمى! المصدر: الشرق 24/10/2010