في غمرة التعقيدات المتعلقة بقضايا استفتاء جنوب السودان والعراقيل الإجرائية الماثلة (الجداول الزمنية, والحدود وقضايا ما بعد الاستفتاء) فان الحكومة السودانية تبدو مثابرة للغاية بشأن الفراغ من طي ملف الأزمة في دارفور للدرجة التي أكدت فيها مصادر سياسية مطلعة أن إمكانية حل الأزمة في دارفور باتت أقرب بكثير جداً من حل ما تبقي من تعقيدات اتفاقية السلام الشامل الخاصة بالجنوب. وقد رأينا كيف أمكن تأخير الاتفاق الذي تم التوصل اليه مؤخراً في الدوحة مع الحركات الدارفورية المتفاوضة هناك والذي جاءت أبرز ملامحه في اقرار مبلغ (2 مليار دولار) للاعمار والتنمية في الإقليم ومعالجة قضايا النازحين والاتفاق علي قسمة سلطة معقولة والتوسل بالأعراف والقوانين لحسم الملف العدلي وشروع الجهات المسئولة بالفعل في إنشاء ثلاث محاكم خاصة بعواصم دارفور الثلاث لتقوم – بتفرغ تام- بمعالجة قضايا الحرب, وفي ذات الوقت قطع مدعي عام جرائم دارفور مولانا عبد الدائم زمراوي وكيل وزارة العدل شوطاً كبيراً بشأن التحقيقات في دارفور تمهيداً لوضعها أمام المحاكم المختصة مع التشديد علي إخضاع كل من يثبت جرمه للمحاكمة دون الاعتبار لأية حصانات أو اعتبارات سياسية. ويشير مصدر عدلي عليم (سودان سفاري) بهذا الصدد أن الحكومة السودانية وجهت وزارة العدل توجيهاً قاطعاً بأن يطبق القانون علي كل من أجرم دون أية محاباة أو حتي اعتبارات سياسية وهي خطوة يصعب التهوين منها بأي حال من الأحوال في جانب آخر, فان الحكومة السودانية حرصت ضمن الإستراتيجية التي وضعتها كدستور- اذا جاز التعبير – لحل مشكلة دارفور علي أن تظل هذه الإستراتيجية هي الأساس الذي يقوم عليه الحل دون أن يمنعها ذلك من حسم الملف سواء حضرت الفصائل الدارفورية المتغيبة أو لا. وتبدو الصورة علي هذا النحو أقرب إلي الواقع, فالولايات المتحدة لم تجد مناصاً من دعم الخطوة الحكومية حين أكد الموفد الأمريكي الخاص عق بلقائه بالدكتور غازي صلاح الدين مستشار الرئيس البشير ومسئول ملف دارفور أن حل الأزمة في دارفور يقوم علي التفاوض وعودة النازحين . ومن المؤكد أن واشنطن- ورغماً عن كل شئ – باتت علي قناعة بأن ملف دارفور ينبغي أن يطوي فالقضية أخذت طابعها الدعائي والإعلامي ولم تعد تصلح للمزيد. وهكذا فان ما يجري في الدوحة وما تم التوصل اليه لن يكون سوي قفزة كبري باتجاه الحل النهائي ولن يكون بعد ذلك بوسع الفرقاء المتغيبين مثل د. خليل وعبد الواحد محمد نور وحتي مني ميناوي أن يؤثروا علي الأوضاع , فقد انقضي زمن القتال والدعم الدولي وباتت دارفور ويعكس ما قد يتصور البعض أقرب للرسو علي جودي الاستقرار وشاطئ الأمان الأخير! وغداً نري!!