طرحت الحكومة المصرية مؤخراً - عبر رسالة مكتوبة موجهة لشريكي الحكم فى السودان الوطني و الحركة - مقترح تطبيق صيغة كونفدرالية بين شمال السودان و جنوبه مع إفساح الوقت لعملية الاستفتاء بحيث يجري فى مناخ مواتي و عقب حسم كافة القضايا العالقة . و قال وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط - أواخر الأسبوع الماضي- ان القاهرة طرحت هذا المقترح ليس لمجرد الاقتراح و إبراء الذمة ،و إنما تنتظر رداً صريحاً من الطرفين. وأشار أبو الغيط الى أن الهدف من المقترح هو المحافظة على علاقات الشمال و الجنوب بما يحول دون دخولهما فى منازعات مزمنة تسلب المنطقة أمنها و استقرارها و بما قد يعيق تقدم كل جزء منهما بسبب هذه المنازعات. و بحسب ما توفر من أنباء فان الحزب الوطني فى السودان لم يبد ممانعة للمقترح المصري غير انه يبدو أنه لم يدرس المقترح بعد بجدية كاملة و بما يجعله يقدم رداً مكتملاً ، اما الحركة فان ما رشح من ردود فعلها يبدو رافضاً للصيغة ، وذلك على خلفية شعور كبار قادة الحركة و فى غمرة حماسهم للانفصال بأن لا ضرورة لإيقاف عجلة الانفصال التى دارت بالفعل بالنسبة لهم. ومن المهم هنا أن نشير الى ان مقترح الاتحاد الكونفدرالي بين شمال و جنوب السودان سبق و أن طرحته – بصورة غير رسمية – الأممالمتحدة قبل عدة أشهر خلت ، وقد كان الطرح حينها خلاصة لدراسة متأنية و مطولة أجرته دوائر متخصصة فى الأممالمتحدة خلصت فيه الى خطورة نشوء دولة جنوبية لا تملك مقومات الاستقرار و المضي الى الأمام. وأشارت الدراسة وقتها الى الصراع القبلي و النقص الحاد فى الغذاء و السلاح المنتشر فى الجنوب مبدية مخاوفاً حقيقية من أن يتسبب ذلك فى جعل الدولة الجنوبية الوليدة تصبح بؤرة لأعمال عنف وموجات نزوح و لجوء يتضرر منها الاقليم بأسره. و هكذا فان الطرح المصري لهذه الصيغة الكونفدرالية لا يبدو أنه جاء من فراغ أو لمجرد الإسهام فى حل أزمة قاربت لنهاياتها، إذ من المؤكد أن الطرح المصري قام على أساس إمكانية قبول الطرفين به لأن من المعروف ان الدبلوماسية المصرية عادة لا تطرح طرحاً لم تتلمس مسبقاً إمكانية نجاحه. هذا من جهة؛ ومن جهة ثانية فان المقترح - رغم تقليل البعض منه و من قيمته - إلاّ أنه فيه قدر من المعقولية ، حيث ثبت بجلاء ان الجنوب على وجه الخصوص فى حاجة ماسة جداً لإطار قانوني يعالج به قضايا هامة إذا حدث و انفصل ، فقضية الجنسية رغم استهانة الحركة الشعبية بها إلا أنها بالنسبة لمواطني الجنوب مهمة للغاية و مؤثرة. و كذلك بالنسبة للبترول وإستحالة تصديره إلا عبر الشمال ، هذا خلاف الديون الخارجية و القروض و الموارد الاقتصادية و مياه النيل ، هذه قضايا معقدة ليس من السهل ان تعالجها حكومة الجنوب بعيداً و بمعزل عن الشمال ، والكونفدرالية التى تستلزم حدوث انفصال ونشوء دولتين أقرب الى إيجاد حلول لكلا الشطرين مهما بالغ قادة الجنوب فى تقدير قدراتهم و إمكانياتهم ! و من المؤكد ان القاهرة تدرك هذه الحقيقة بجلاء .