يبدو أن رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البرزاني وجد الفرصة مواتية الآن لتسويق مشروعه الانفصالي عن العراق بشكل علني، وأوضح ذلك من خلال جملته “المرحلة المقبلة تنسجم مع ذلك"، فرفع من نبرته للحديث عن “حق تقرير المصير" على طريقة “الحركة الشعبية" في جنوب السودان . تصريحات البرزاني لم تكن جديدة في الإجمال، ولكن هذه المرة حملت دلالات خطرة، ودشنت سابقة جديدة في تاريخ العراق، حيث أعلن ذلك على مرأى ومسمع معظم قادة “العراق الجديد"، الذين حضروا المؤتمر الثالث عشر للحزب الديمقراطي الكردستاني في أربيل السبت الماضي، من دون أي اعتراض من الحضور . النقطة الأخرى والأشد خطورة تمثلت في دعوته علناً بقية مناطق العراق إلى الجنوح نحو الانفصال، من خلال اعتباره أن ما يدعو إليه، بالدعوة لانفصال الشمال العراقي، “يجعل باقي سكان المحافظات يفكرون في إقامة أقاليم خاصة بهم ( . . .) من جهتنا سنساند أي إقليم يتشكل حسب طموحات سكانه لأن ترسيخ النظام الديمقراطي حق للجميع"، مداعباً أحلام أصحاب المشاريع التقسيمية في بقية أنحاء العراق، وكأنها مساومة تهدف إلى دعم انفصال إقليم كردستان مقابل دعم كردي لأي إقليم يخطط للانفصال، ومثل هذه المشاريع موجودة، حيث إقليم“الجنوب والفرات الأوسط" كإقليم شيعي، وإقليم الأنبار كإقليم سني، إلى جانب دعوات أخرى بينها تحويل البصرة إلى إقليم مستقل . تحدث البرزاني عن المناطق التي سيطرت عليها ميليشيات البشمركة الكردية بالقوة في محافظات ديالى ونينوى وصلاح الدين وكركوك، تحت حماية الاحتلال باعتبارها مناطق كردية، رغم أن الأكراد هم من اختلقوا تسمية “المناطق المتنازع عليها" على المناطق التي تم الاستيلاء عليها كردياً بعد الغزو . في هذا الاجتماع، الذي أطلق خلاله البرزاني قنابل “دمدم" جغرافية، لم نسمع من الحضور أي اعتراض على ما جاء في تصريحات البرزاني . فرئيس الوزراء نوري المالكي الذي حاول على مدى سنوات حكومته الأولى الظهور بمظهر موحد البلاد وضد التقسيم، ما جعل الأكراد يتهمونه بأنه صار مستبداً وتحول إلى “صدام جديد"، لم يعترض على دعوات الانفصال تلك، كما لم يعترض رئيس القائمة العراقية إياد علاوي هو الآخر، رغم أن الأخير ناصفت قائمته مقاعد كركوك مع الأحزاب الكردية في الانتخابات الأخيرة . ربما ألجمت المقاعد التي حصل عليها الأكراد في تلك الانتخابات لسان الجميع، بعدما تحولت إلى أداة ابتزاز لترجيح طرف على طرف مقابل من يقدم تنازلات أكثر على حساب وحدة البلاد، وكأن المؤتمر كان بمثابة فخ وقع فيه هؤلاء القادة، وساعد على ذلك استمرار أزمة تشكيل الحكومة . وأمام ذلك الصمت المريب من جانب القيادات العراقية، بل وثناء البعض على المؤتمر وما صرح به البرزاني، جدد رئيس وزراء حكومة إقليم كردستان برهم صالح تلك التصريحات مرة أخرى، وليعلن عن دعم حكومة الإقليم لتشكيل أي إقليم آخر في البلاد، وكأن مؤتمر الحزب الكردي قد تحول إلى بازار لتقسيم العراق وتفتيته في حضور قادة عهد الاحتلال، والذين سنسمع تصريحات منددة على استحياء لبعضهم تحت الضغط وفي إطار سياسة الإمساك بالعصا من المنتصف . لا شك في أن تصريحات البرزاني سيكون لها ما بعدها، وقد تشكل تحولاً من الانتقال من الاحتراب الطائفي الداخلي إلى حرب عرقية قد يمتد أوارها إلى دول الجوار، فهل يضحي قادة “العراق الجديد" بمستقبل البلاد واستقرارها مقابل حفنة من الحقائب الوزارية المؤقتة؟ المصدر: الخليج 14/12/2010