بجرأة يُحسَد عليها بالفعل ، قال الموفد الأمريكي الخاص إلى السودان (سكوت غرايشون) إنّ التقسيم فى السودان قد يطال إقليميّ دارفور و شرق السودان بعد الجنوب! مطالباً الحكومة السودانية بتحسين الأوضاع المعيشية و لم ينس غرايشون – و هو يسفر عن صميم الخطة الأمريكية تجاه السودان فيما يبدو – أن يرسل تطمينات شفهية للقاهرة يؤكد لها إن اى تقسيم يطال السودان الذى يمثل عمقها الاستراتيجي لن يمس حصتها المقررة من مياه النيل ! و بهذا لا يبدو ان لدي أحد من شك ان هنالك خطة أمريكية إما أنها قد تبلورت مؤخراً ،أو أنها (قيد التبلور) بشأن تقسيم السودان ، فقد بدأت تلوح فى الأفق ملامح الخطة بعدما كانت قبل أشهر وأسابيع مجرد إشارات هنا و هناك، لا دليل عليها بشكل واضح . و من المؤكد ان الموفد الأمريكي الخاص غرايشون (خضع) أخيراً هو إدارته فى البيت الأبيض حيث الرئيس أوباما لخطط و رسومات جماعات الضغط القوية فى واشنطن التى لم يفتر لها عزم حيال دفع إدارة اوباما لفعل شئ تفاخر به كإنجاز أمريكي لإدارة قضت عامين فى الحكم ولم يظهر لها – طوال هذه المدة – أدني انجاز لا على الصعيد الداخلي فى الولاياتالمتحدة هناك ، ولا علي الصعيد الدولي . وما من شك أيضاً ان حديث غرايشون (ضرورة تحسين الأوضاع المعيشية) هو من قبيل ذر الرماد فى العيون و محاولة التحجج بشتى الحجج لإمضاء و تمرير المخطط ، إذ انّ الرجل حاول ان يعطي انطباعاً عاماً – لا يخلو من سذاجة و سطحية – ان واحدة من أهم الأسباب التى ستدفع السودان نحو التقسيم هو الأوضاع المعيشية ، ولهذا يطالب الحكومة السودانية بتحسينها ! ولعل الأمر المثير فعلاً للدهشة فى تصريحات غرايشون - حتى ولو نفاها لاحقاً- هو أنه أقحم الشرق إقحاماً فى قضية التقسيم ، على الرغم من إدراكه جيداً أن الشرق و منذ اتفاقية أسمرا فى 2007 قد طوي ملف الأزمة ، بل ان الشرق يبدو الاقليم الوحيد الذى أنجز اتفاق سلام ناجح كان مؤتمر الكويت الذى جرت وقائعه قبل أيام فى الكويت و الذى حصد حوالي 3 مليار دولار، هو بمثابة تتويج لنجاح اتفاقية الشرق و إعادة إعماره ليصبح الاقليم رقم (1) على مستوي السودان . ان الخطة الأمريكية الإسرائيلية لتقسيم السودان فى حد ذاتها ليست جديدة ولا مدهشة ، ولكن الجديد و المدهش ان الموفد الأمريكي الخاص فضل الكشف عنها فى هذا التوقيت و بدون أسباب واضحة ، وبدون مناسبة ملائمة و هو - فى اللحظة التى قال فيها ما قال- لغرابة الموقف كان يهم بالسفر الى الدوحة لمتابعة المفاوضات المتعلقة بدارفور هناك ، و لا ندري كيف تهتمَّ واشنطن بمفاوضات الدوحة ، و مع ذلك تبشر بتقسيم السودان و فصل دارفور و الشرق !