قالت مندوبة الولاياتالمتحدة فى مجلس الأمن – قبل يومين – أنها ترجح تأجيل استفتاء الجنوب السوداني. و لم تشر رايس لا صراحة أو ضمناً لأسباب ترجيحها فى هذا الوقت الذى اضطرت فيه الحركة الشعبية التى تعتبر رايس صديقة لها لمهاجمة تصريحات رايس ، وقال القيادي بالحركة ( جاكوب دوانق) ان التأجيل بمثابة خرق لاتفاقية السلام . غير ان السؤال المهم الذي يتعين علينا الآن البحث له عن إجابة هو ما سبب تلميحات رايس هذه، و الى أى مدي تتسق مع مسار الأمور و منطق الأشياء ؟ الواقع ان تصريحات رايس من جهة أولي مُثبَتة، بحيث يمكن القول انه فات أوان نفيها، فهي من جهة كونها صدرت عنها أمر مفروغ منه، و من جهة ثانية فان التصريحات فيما يبدو جاءت مفاجئة ، و بدت كالصاعقة على الحركة الشعبية التى و إن توقعت تأجيل الاستفتاء بطلب من أى طرف إلا أن آخر ما كانت تتوقعه هو صدور هذا التلميح من أصدقائها فى الولاياتالمتحدة و على وجه الخصوص السيدة رايس التى عُرفت بغلظتها الشديدة تجاه الحزب الوطني و نعومتها الفائتة الحد تجاه الحركة الشعبية. و لهذا فان ما أوردته رايس هو فى الواقع انعكاس لعدة معطيات لم تغفل عنها واشنطن ولكنها حاولت ان تتغافل عنها و دون جدوي . أول المعطيات ان الجداول الزمنية المقررة للإستفتاء - و منصوص عليها فى قانون الاستفتاء- تبدو مهمة و واجبة الإتباع للحصول على أدني حد من مشروعية الاستفتاء ، وكلنا يذكر تصريحات نائب الرئيس الأمريكي السيد جو بايدن قبل أشهر حين دعا الى استفتاء نزيه و شفاف ؛ فهناك فرقين فى دارة أوباما ، فريق يريد استفتاء حقيقي نزيه و شفاف لينفصل الجنوب السوداني دون مشاكل و لا نزعات مزمنة ،و فريق آخر يريد استفتاء كيفما يكون للخلاص من عملية الانفصال ثم مواجهة مترتباتها فيما بعد. و قد شهدنا كيف حاولت واشنطن طوال شهرين الضغط على الحزب الوطني لاجراء استفتاء كيفما يكون بدون قواعد محترمة و دون تدقيق ،و دون حلحلة المشاكل المترتبة على الاستفتاء قبل إجرائه ،و قد عرضت واشنطن – بسذاجة و سطحية شديدة – صفقات عديدة على الخرطوم ، مثل رفع جزئي لحظر التصدير و النظر فى إمكانية رفع العقوبات لاحقاً و معالجة قضية الجنائية ، مما رفضته الخرطوم بسرعة لأنه لم يكن يصلح حتى للنظر ، فقد كانت هذه الصفقة جارحة لغاية و يستحيل على الخرطوم تمرير استفتاء هو بمثابة انفصال فى مقابل وعود و أحاديث مرسلة عديمة القيمة ، حيث لا تكافؤ بين الأمرين. و هكذا فان واشنطن عجزت عن دفع الخرطوم باتجاه الموافقة على انفصال (غير القانوني) يتم عبر الصفقات و هذا ما جعلها (تضطر) للتراجع و العودة الى الاستفتاء النزيه و الشفيف ، و الذى يستلزم ايضاً معالجة كافة القضايا العالقة بين الشمال و الجنوب قبل إجراء الاستفتاء. لكل ذلك – و لأن السياسة لا يمكنها مفارقة المنطق و الواقع – فضلت واشنطن فيما يبدو العودة الى العقل .