في ظهيرة يوم أمس كانت أسرة مطار الخرطوم على أهبة الاستعداد وسبقها جهاز الأمن الوطني والمخابرات على ذات الأمر، وذلك قبل أن تحط طائرة الزعيم الليبي معمر القذافي بمطار الخرطوم، وبعدها بنحو نصف ساعة كان الرئيس المصري حسني مبارك هو الآخر حضوراً، وانتقل رتل السيارات بالرئيسين على التوالي إلى بيت الضيافة حيث أُحيطت المباحثات التي جمعتهما بالرئيس البشير ونائبة سلفا كير ميارديت بسياج من السرية حتى إن الزملاء الصحافيين تنقلوا بين المطار وبيت الضيافة جيئة وذهاباً ورابطوا أمام بيت الضيافة نحو ساعتين ونصف دون أن تشتم أنوفهم رائحة ما يجري بالداخل!! لكن بالقطع تكشفت ملامح الزيارة منذ الأحد الماضي في أعقاب إرسال الرئيس الأمريكي باراك أوباما رسائل إلى زعماء في المنطقة على رأسهم ضيفا البلاد أكد فيها التزام بلاده بإجراء استفتاء سلمي بعد أن أعلن بوضوح أن السودان يمثل أحد أهم أولوياته بحسب مسؤول بالبيت الأبيض، وفي ذات يوم «الأحد» تهاتف القذافي ومبارك دون أن يكشف الإعلام عن مادار بينهما. الملمح العام لقمة الخرطوم هو سعي أطراف إلى إقامة الاستفتاء في موعده حتى ولو لم تحل أي قضية من القضايا العالقة مثل ترسيم الحدود وأبيي وقضايا ما بعد الاستفتاء، ولعل الزعيمين جاءا لسماع ذلك من الحكومة سيما وأن وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط قال «الأحد» الماضي ذلك اليوم الذي شهد تطورات في الشأن السوداني بواشنطنوالقاهرة وطرابلس وحتى القضارف عندما رسم الرئيس البشير صورة جديدة ومتجددة لسودان مابعد الانفصال كان لها أثر في كل مكان قال أبو الغيط إن على شمال وجنوب السودان الحفاظ على علاقات قوية مهما كانت نتيجة الاستفتاء وذلك عقب اجتماعه برئيس بعثة تقييم تطبيق اتفاق السلام ديريك بليمبلي الأحد الماضي بحسب وكالة أنباء الشرق الأوسط وهو تصريح يشي بتسليم الأطراف الخارجية بوقوع الانفصال ولذلك يبحثون عن تأكيد قيام الاستفتاء في موعده بضمانة شخصية من البشير. كلٌّ من القذافي ومبارك يحمل في حقيبته تفاصيل دقيقة مرتبطة بالسودان خاصة فيما يتعلق بالاستفتاء.. القذافي في أغسطس العام الماضي فاجأ الحكومة بتأييده انفصال الجنوب واعتبر أن الجنوبيين شيء آخر ليسوا من السودانيين، ولا يشبهون أهل دارفور والنوبة والشرق، ولا يتحدثون اللغة العربية مما أربك الخرطوم التي اعتبرت حديثه تراجعًا في قناعاته بوحدة إفريقيا ووحدة السودان، وانعكاسًا خطيرًا بحسب مستشار الرئيس مصطفى عثمان.. واللافت أن تصريحات القذافي جاءت في اجتماع جمعه برئيس حركة العدل والمساواة خليل إبراهيم. وبالنسبة لمبارك فإن الاستفتاء يشكل أهمية قصوى لبلاده خاصة فيما يتعلق بمياه النيل حال حدث الانفصال ومن ثم فإن من الأهمية بمكان أن تتلقى القاهرة وعدًا قاطعًا من البشير بقيام الاستفتاء في موعده لتضمن الحركة الانفصال فتكافئ مصر في مقابله على الأقل بتحييد دولة الجنوبالجديدة من دول منبع نهر النيل بقيادة إثيوبيا التي أعلنت تمردها على مصر التي لم تجد نصيرًا لها سوى السودان غير متناسين أن قيادات في الحركة أرسلت تهديدات مبطنة لمصر عندما ألمحت لتحالف الجنوب حال الانفصال مع دول المنبع.. وما بين مواقف الزعيمين يقف سلفا كير الطامح في استفتاء أكد أن مواطني الجنوب سيصوتون للانفصال. أما في الغرب الأمريكي فإن التحدي الحقيقي للرئيس أوباما هو قيام الاستفتاء في موعده وفي ذات الوقت سيكون الإنجاز الأوحد له على المستوى الخارجي هو انفصال الجنوب كما قالت صحيفة الواشنطن بوست مؤخراً والتي زادت «بينما يواجه أوباما تحديات جمة مثل الطموحات الإيرانية النووية ومخاطر سياسة كوريا الشمالية التي قد تقود إلى الحرب، فإنه يبدو أن إدارته ستحقق إنجازات دبلوماسية هامة في السودان، واشترطت عدم حدوث أي فشل تقني أو فني، أو اندلاع أعمال عنف مفاجئة بين الطرفين، ليتم بشكل ناجح.. بل وذهبت نحو تمنّيها الانفصال: «أن علمًا جديدًا سيرفرف في جنوب السودان بعد ستة أشهر من الاستفتاء، معلنًا ولادة دولة جديدة في إفريقيا بفضل الجهود الأمريكية الحثيثة».. تلك الجهود المشار إليها باءت بالفشل عبر المبعوث الأمريكي في أعقاب لقائه بنائب الرئيس علي عثمان، فبحسب مصدر موثوق أن واشنطن طرحت حزمة من الحوافز مقابل انفصال الجنوب دون «شوشرة» تمثلت في مراجعة أمر بقاء الحكومة على لائحة الإرهاب، ورفع العقوبات، ومناقشة أزمة ديونها، في مقابل السماح للجنوب بالانفصال بهدوء.. وهي الحوافز التي لم تجد فماً مفتوحًا ليبتلعها بعد أن شدد طه على طي صفحة المحكمة الجنائية واتهاماتها لرمز الدولة وأمَّن على خيار الاستفتاء بشكل كامل للمواطن الجنوبي دون ضغوط من جهةٍ ما ولعله يعني الجيش الشعبي. ومهما يكن من أمر فإن خيوط اللعبة بيد الرئيس البشير الذي بات يتحدث وعن ثقة عن مرحلة ما بعد الاستفتاء وتحديدًا حال الانفصال. نقلا عن صحيفة الانتباهةالسودانية 22/12/2010م