عندما نناقش تجارب الوحدة والانفصال في عالمنا العربي غالبا ما يتوقف الامر عند السياسة ، وكأن المشتغلين فيها اناس هبطوا من السماء وليسوا من هذه المجتمعات على اختلاف الامزجة النفسية والاجتماعية وأنماط التفكير. هذا البعد السايكولوجي المسكوت عنه لاسباب رومانسية آن موعد وداعها كان المسؤول الاول عن تجارب انفصالية في واقعنا العربي ، فالتباعد منذ سايكس - بيكو شمل كل شيء ، بدءا من قاموس الاعلام حتى الصورة التي ترسم للناس عن مستقبلهم وتجسيد ما امكن من احلامهم. والتجارب التي نجحت على قلتها كانت بين شعوب او مجتمعات متجانسة الى حد كبير وقد يستهين الناس بامور صغرى كالمأكل والمشرب والملبس ونمط العلاقات الاجتماعية والعاطفية وطقوس الزواج والعزاء.. لكنها من الناحية الأعمق وحين تقترب انثربولوجيا قد تكون أساسية. فالفولكلور ليس كما نظنه احيانا مجرد عادات شعبية تمارس موسميا ، انه تعبير مباشر وعفوي عن مضامين فكرية ومنظومات من القيم المتوارثة والمفاهيم، ولا اذكر اني قرأت شيئا ذا قيمة عن السبب الاجتماعي وعلاقته بالمزاج النفسي للانفصال بين مصر وسوريا ، فالجميع تحدثوا عن السياسة وصراع الجنرالات ، حتى عبدالكريم النحلاوي الذي ينسب اليه قرارالانفصال وتنفيذه ميدانيا تحدث عشرات الساعات عن كل شيء باستثناء هذا البعد الانساني ، وهناك حالات طلاق تنشأ بين ازواج لاسباب متعلقة بالتكوين النفسي والمنظور الاجتماعي ودور اللهجة في التعبير عن حالات الانفعال. هنا قد يقاطعنا البعض بسرد قائمة من الامثلة عن زواجات ناجحة اطرافها عرب او اوروبيون او امريكيون او اسيويون ، لكن تلك الحالات غالبا ما تقتصر على النخب وبالتالي تكون شيفرا النخب الثقافية هي البديل عن الافتراق النفسي والتباين الاجتماعي ، وبالرغم من ذلك اخبرتني سيدة سورية كانت تقيم في باريس ومتزوجة من مثقف بارز ، ولم يكن بينهما خلاف اساسي حول القضايا اليومية ، لكن برنامجا تلفزيونيا عن احتلال العراق انتهى بهما صباح اليوم التالي الى الانفصال، وما يضاعف في التباين بين الامزجة والموروث الثقافي المحلي في عالمنا العربي عودة بعض الدول الى ما قبل الحضارة العربية الاسلامية ، والتنافس التجريدي الذي لا معنى له او وجود حول من هو الاعرق او الاسبق في المعرفة ، ناسين ان الولاياتالمتحدةالامريكية التي يخضعون لما اقترحته من نموذج العولمة وهي المرادف الخجول للامركة تأسست فعليا بعد شركة الهند الشرقية بدءا من شاطئ نيو بلايموث، ان الوحدة والانفصال ليسا ثنائية غير قابلة للتفكيك والمعاينة ، شرط ألا نبقى اسرى لنطاق السياسة وحدها ولصراعات الجنرالات ، فاذا قال احد ما ان هؤلاء العسكريين الذين اعلنوا الانفصال لا يمثلون شعوبهم فان الخطأ يصبح مزدوجا لانهم ببساطة خصوصا بعد عام 1950 لم يكونوا من ارباب القصور ، او من السلالات التي تعيش في ابراج عاجية ، انهم ابناء الطبقة الوسطى والدنيا احيانا.. لهذا فهم الاكثر تجسيدا لامزجة وانماط سلوك مجتمعاتهم، الحلقة المفقودة دائما في معالجات اسباب الانفصال وفشل التجارب الوحدوية هي نفسية واجتماعية بامتياز اما السياسة فهي من افراز هذه التكوينات،، المصدر: الدستور 22/12/2010